قالوا : ومجازه من قولهم : «أفسد فلان ابنه ، وأهلكه» إذا لم يتعهّده بالتأديب ؛ ومنه قوله: [الوافر]
٣٣٦ ـ أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا |
|
........... (١) |
ويقال لمن ترك (٢) سيفه في الأرض النّديّة حتّى فسد وصدىء : أفسدت سيفك وأصدأته.
ورابعها : الضلال ، والإضلال هو العذاب والتعذيب لقوله (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) [القمر : ٤٧](يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ) [القمر : ٤٨] ، فوصفهم بأنّهم يوم القيامة في ضلال ، وذلك هو عذابه.
وخامسها : أن تحمل الإضلال على الإهلاك والإبطال ، كقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١] قيل : أهلكها ، وأبطلها ، ومجازه من قولهم : «ضلّ الماء في اللّبن» إذا صار مستهلكا فيه.
ويقال : أضلّ القوم ميّتهم ، أي : واروه في قبره فأخفوه حتى صار لا يرى.
وقالوا : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) [السجدة : ١٠] فيحتمل أن يضل الله إنسانا أي: يهلكه ويعدمه.
وسادسها : أن يحمل الإضلال على الإضلال عن الجنّة.
قالت المعتزلة : وهذا في الحقيقة ليس تأويلا ، بل حمل للّفظ على ظاهره فإن الآية تدلّ على أنّه يضلّهم ، وليس فيها دلالة على أنه عن ماذا يضلهم؟ فنحن نحملها على أنّه ـ تعالى ـ يضلّهم عن طريق الجنّة ، ثمّ حملوا كلّ ما في القرآن من هذا الجنس على هذا المحمل ، وهو اختيار الجبّائي. قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [الحج : ٤] أي : يضلّه عن الجنّة وثوابها هذا كله إذا حملنا الهمزة في الإضلال على التعدية.
وسابعها : أن تحمل الهمزة لا على التعدية ، بل على الوجدان على ما تقدّم ، فيقال : أضلّ فلان بعيره أي : ضلّ عنه ، فمعنى إضلال الله ـ تعالى ـ لهم أنّه وجدهم ضالّين.
وثامنها : أن يكون قوله : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) من تمام قول الكفّار كأنّهم قالوا : ما ذا أراد الله بهذا المثل الذي لا يظهر وجه الفائدة فيه؟
__________________
(١) صدر بيت للعرجي وعجزه :
ليوم كريهة وسداد ثغر
ينظر اللسان : (ضيع).
(٢) في أ : ألقى.