وأيضا فالمعادن داخلة في ذلك ، وكذلك عروق الأرض ، وما يجري مجرى البعض لها.
وقد تقدّم تفسير الخلق ، وتقدير الآية كأنه ـ سبحانه وتعالى ـ قال : كيف تكفرون بالله ، وكنتم أمواتا فأحياكم؟ وكيف تكفرون بالله ، وقد خلق لكم ما في الأرض جميعا؟
أو يقال : كيف تكفرون بقدرة الله على الإعادة ، وقد أحياكم بعد موتكم ، وقد خلق لكم كل ما في الأرض ، فكيف يعجز عن إعادتكم؟.
قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ).
أصل «ثم» أن تقتضي تراخيا زمانيا ، ولا زمان هنا ، فقيل : إشارة إلى التراخي بين رتبتي خلق الأرض والسماء.
وقيل : لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال أخر من جعل الجبال والبركة ، وتقدير الأقوات ، كما أشار إليه في الآية الأخرى عطف ب «ثم» ؛ إذ بين خلق الأرض والاستواء إلى السماء تراخ.
و «استوى» : معناه لغة : استقام واعتدل ، من استوى العود.
وقيل : علا وارتفع ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٣٤٥ ـ فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة |
|
وقد حلّق النّجم اليمانيّ فاستوى (١) |
وقال تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) [المؤمنون : ٢٨].
ومعناه هنا : قصد وعمل. وفاعل «استوى» ضمير يعود على الله.
وقيل : يعود على الدّخان نقله ابن عطية.
وهو غلط لوجهين :
أحدهما : عدم ما يدلّ عليه.
والثاني : أنه يرده قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١].
و «إلى» حرف انتهاء على بابها.
وقيل : هي بمعنى «على» ؛ فتكون في المعنى كقول الشاعر : [الرجز]
٣٤٦ ـ قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (٢) |
ومثله قوله الآخر : [الطويل]
__________________
(١) ينظر البيت في القرطبي : (١ / ٢٥٤) ، الدر المصون : (١ / ١٧٢).
(٢) ينظر البيت في رصف المباني : (٤٣١) ، اللسان : (سوا) ، البحر : (١ / ٢٨٠) ، القرطبي : (١ / ١٧٦) ، الزجاجي : (١ / ٥٠٩) ، مجمع البيان : (١ / ١٥٧) ، ديوان الحماسة للمرزوقي : (٣ / ١٥٤١) ، الدر المصون : (١ / ١٧٢).