و «جاعل» فيه قولان :
أحدهما : أنه بمعنى «خالق» فيكون «خليفة» مفعولا به و «في الأرض» فيه حينئذ قولان :
أحدهما : وهو الواضح ـ أنه متعلّق ب «جاعل» والثاني : أنه متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حال من النكرة بعده.
القول الثاني : أنه بمعنى «مصيّر» ذكره الزّمخشري ، فيكون «خليفة» هو المفعول الأول ، و «في الأرض» هو الثّاني قدم عليه ، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرر.
والأرض قيل : إنها «مكة» ، روى ابن سابط (١) عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «دحيت الأرض من مكّة» ولذلك سميت «أم القرى» ، قال : وقبر نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب بين «زمزم» والمقام (٢).
والظاهر أنّ الأرض في الآية جميع الأرض من المشرق والمغرب.
و «خليفة» يجوز أن يكون بمعنى «فاعل» أي : يخلفكم أو يخلف من كان قبله من الجنّ ، وهذا أصح ، لدخول تاء التأنيث عليه.
وقيل : بمعنى «مفعول» أي : يخلف كل جيل من تقدمه ، وليس دخول «التّاء» حينئذ قياسا ، إلّا أن يقال : إن «خليفة» جرى مجرى الجوامد ك «النّطيحة» و «الذّبيحة». وإنما وحّد «خليفة» وإن كان المراد الجمع ؛ لأنه أريد به آدم وذرّيته ، ولكن استغني بذكره كما يستغنى بذكر أبي القبيلة نحو : «مضر» و «ربيعة» وقيل : المعنى على الجنس.
وقال «ابن الخطيب» : الخليفة : اسم يصلح للواحد والجمع كما يصلح للذكر والأنثى.
و «الخلف» ـ بالتحريك ـ من الصّالحين ، وبتسكينها من الطّالحين.
واختلفوا في أنه لم سمّاه ـ أي : خليفة ـ على وجهين :
فروي عن «ابن عباس» أنه ـ تعالى ـ لما نفى الجنّ من الأرض ، وأسكنها آدم كان
__________________
(١) عبد الرحمن بن سابط القرشي الجمحي المكي أرسل وعن عمر ومعاذ ومرسلا ، وعن عائشة بواسطة في فرد حديث وسعد وجابر ، وعنه علقمة بن مرثد وابن جريج والليث وخلق ، وثقه ابن معين وقال : لم يسمع من أبي أمامة والدارقطني وجماعة ، قال ابن سعد : مات بمكة سنة ثماني عشرة ومائة.
ينظر الخلاصة : ٢ / ١٣٣ (٤٠٩٦) ، تقريب التهذيب : ١ / ٤٨٠ (٩٤٣) ، تاريخ البخاري الكبير : ٥ / ٢٩٤ ، ٣٠١ ، ٩ / ٦٥ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ / ٢٨٥.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير : (١ / ٤٤٨).
وذكره ابن كثير في التفسير : ١ / ١٠٠ وعزاه لابن أبي حاتم وذكره السيوطي في الدر المنثور : (١ / ٤٦) وزاد نسبته لابن عساكر عن ابن سابط.