وقالت المعتزلة : الملائكة أفضل من الأنبياء ، وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني [وأبي عبد الله الحليميّ](١).
وحجّة المعتزلة أمور :
أحدها : قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأنبياء : ١٩] والمراد من هذه العنديّة القرب ، والشرف ، وهذا حاصل لهم لا لغيرهم.
ولقائل أن يقول : إنه ـ تعالى ـ أثبت هذه الصّفة في الآخرة لآحاد المؤمنين في قوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥].
وأما في الدنيا فقال عليه الصّلاة والسلام يقول الله سبحانه : «أنا مع المنكسرة قلوبهم لأجلي».
وهذا أكثر إشعارا بالتعظيم ؛ لأن كون الله ـ تعالى ـ عند العبد أدخل في التعظيم من كون العبد عند الله.
وثانيها : قالوا : عبادات الملائكة أشقّ من عبادات البشر ، فيكونون أكثر ثوابا من عبادات البشر ، فإن الملائكة سكّان السماوات ، وهي جنّات ، وهم آمنون من المرض والفقر ، ثم إنهم مع استكمال أسباب النّعم لهم خاشعون وجلون كأنهم مسجونون لا يلتفتون إلى نعيم الجنات ، بل يقبلون على الطّاعة الشاقة ، ولا يقدر أحد من بني آدم أن يبقى كذلك يوما واحدا فضلا عن تلك الأعصار المتطاولة ، ويؤيّده قصّة آدم ـ عليه الصّلاة والسلام ـ فإنه أطلق له الأكل في جميع مواضع الجنة ، ثم إنه منع من شجرة واحدة فلم يملك نفسه.
وثالثها : أن انتقال المكلّف من نوع عبادة إلى نوع آخر كالانتقال من بستان إلى بستان ، أما الإقامة على نوع واحد ، فإنها تورث المشقّة والملالة ، والملائكة كلّ واحد منهم مواظب على عمل واحد لا يعدل عنه إلى غيره ، فكانت عبادتهم أشقّ ، فيكون أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام : «أفضل الأعمال أحمزها» (٢) أي : أشقّها ، وقوله لعائشة : «إنّما أجرك على قدر نصبك» (٣).
ولقائل أن يقول : في الوجه الأول لا نسلّم أن عبادة الملائكة أشقّ.
أما قولهم : السماوات جنات.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر الفائق في غريب الحديث للزمخشري : ١ / ٣١٩ عن ابن عباس أنه سئل أي الأعمال أفضل فقال أحمزها.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح (٣ / ٧١٤ ـ ٧١٥) كتاب العمرة (٢٦) باب أجر العمرة على قدر النصب (٨) حديث رقم (١٧٨٧) وأحمد في المسند (٦ / ٤٣).