ولقائل أن يقول : فهذا يقتضي أن يكون آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أفضل من محمد عليه الصلاة والسّلام ؛ لأنه أوّل من سنّ عبادة الله من البشر وأسبق ، وذلك باطل.
وسادسها : أن الملائكة رسل إلى الأنبياء ، والرسول أفضل من الأمة.
فإن قيل : إن السلطان إذا أرسل واحدا إلى جمع عظيم ليكون حاكما فيهم ، فإنه يكون أشرف منهم ، أمّا إذا أرسل واحدا إلى واحد ، فقد لا يكون الرسول أشرف ، كما إذا أرسل السلطان مملوكه إلى وزيره في مهمّة [فإنه لا يلزم أن يكون ذلك العبد أشرف من الوزير](١). قلنا : لكن جبريل ـ عليهالسلام ـ مبعوث إلى كافة الأنبياء والرسل من البشر ، فعلى هذا يكون جبريل أفضل منهم.
وأيضا أن الملك قد يكون رسولا إلى ملك آخر أو إلى أحد من الأنبياء ، وعلى التقديرين الملك رسول ، وأمته رسل ، والرسول الذي كل أمته رسل أفضل من الرسول الذي ليس كذلك ، ولأن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسلام ـ كان رسولا إلى لوط ـ عليهالسلام ـ فكان أفضل منه ، وموسى كان رسولا إلى الأنبياء الذين كانوا في عصره ، فكان أفضل منهم.
ولقائل أن يقول : الملك إذا أرسل رسولا إلى بعض النواحي ، فقد يكون ذلك الرسول حاكما ومتوليا أمورهم ، وقد يكون ليخبرهم عن بعض الأمور مع أنه لا يجعله حاكما عليهم ، فالقسم الأوّل هم الأنبياء المبعوثون إلى أممهم ، فلا جرم كانوا أفضل من أممهم.
فإن قلتم : إن بعثة الملائكة إلى الأنبياء من القسم الأوّل حتى يلزم أن يكونوا أفضل من الأنبياء.
وسابعها : قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢] فقوله : «ولا الملائكة» خرج مخرج التأكيد للأول ، وهذا التأكيد إنما يكون بذكر الأفضل يقال : هذه الخشبة لا يقدر على حملها العشرة ، ولا المائة ، ولا يقال : لا يقدر على حملها العشرة ولا الواحد ، ويقال : هذا العالم لا يستنكف عن خدمته الوزير ولا الملك ، ولا يقال : لا يستنكف عن خدمته الوزير ولا البواب.
ولقائل أن يقول : هذه الآية إن دلّت ، فإنما تدلّ على فضل الملائكة المقرّبين على المسيح ، لكن لا يلزم منه فضل الملائكة المقربين على من هو أفضل من المسيح ، وهو
__________________
ـ صحيحه حديث رقم (٢٤٧٧) ـ والبيهقي في السنن (٤ / ١٧٦) ـ والطبراني في الكبير (٢ / ٣٥٨) ـ والدارمي في السنن (١ / ١٣١) ـ وذكره السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٠١ والبيهقي في الزوائد ١ / ١٧٠ ، ١٧١.
(١) سقط في أ.