محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ وموسى وإبراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ بإجماع المسلمين.
ثم نقول قوله : «ولا الملائكة» ليس فيه إلا «واو» العطف ، و «الواو» للجمع المطلق ، فيدلّ على أنّ المسيح لا يستنكف ، والملائكة لا يستنكفون ، فأما أن يدلّ على أن الملائكة أفضل من المسيح فلا.
قال تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) [المائدة : ٢] أو نقول : سلمنا أن عيسى دون مجموع الملائكة في الفضل ، فلم قلتم : دون كل واحد من الملائكة في الفضل؟ فإن قيل : وصف الملائكة بكونهم مقربين يوجب ألّا يكون المسيح كذلك.
قلنا : تخصيص الشّيء بالذكر لا يدلّ على نفيه عما عداه.
وثامنها : قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) [الأعراف : ٢٠] ولو لم يكن متقررا عند آدم وحواء ـ عليهما الصلاة والسلام ـ أن الملك أفضل من البشر لم يقدر «إبليس» على غرورهما بذلك.
ولقائل أن يقول : هذا قول «إبليس» فلا يكون حجّة ، ولا يقال : إن آدم اعتقد صحة ذلك ، واعتقاد آدم حجّة ، لأنا نقول : لعلّ آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ما كان نبيا في ذلك الوقت ، فلم يلزم من فضل الملك عليه في ذلك الوقت فضل الملك عليه حال ما صار نبيّا ، ولأن الزّلّة جائزة على الأنبياء.
وأيضا فهب أن الآية تدلّ على أن الملك أفضل من البشر في بعض الأمور المرغوبة.
فلم قلتم : إنها تدلّ على فضل الملك على البشر في باب القدرة والقوة ، والحسن والجمال ، والصفاء والنقاء عن الكدورات الحاصلة بسبب التركيبات؟ فإن الملائكة خلقوا من الأنوار وآدم خلق (١) من التراب ، فلعل آدم وإن كان أفضل منهم في كثرة الثواب إلّا أنه رغب في أن يكون مساويا لهم في تلك الأمور المعدودة.
وتاسعها : قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) [الأنعام : ٥٠].
ولقائل أن يقول : يحتمل أن يكون المراد : ولا أقول لكم إني ملك في كثرة العلوم ، وشدة القوة ، ويؤيده أن الكفار طالبوه بأمور عظيمة نحو : صعود السّماء ، ونقل الجبال ، وإحضار الأموال العظيمة ، وأيضا قوله : (قُلْ : لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) يدلّ على
__________________
(١) في ب : مخلوق.