اعترافه بأنه لا يعلم كلّ المعلومات ، فلذلك لا أدّعي قدرة مثل قدرة الملك ، ولا علما مثل علمه.
وعاشرها : قوله تعالى : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١].
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد التشبيه في الجمال؟
قلنا : الأولى أن يكون هذا التشبيه في السّيرة لا في الصّورة ، لأن الملك إنما تكون سيرته المرضية لا بمجرد الصورة.
ولقائل أن يقول : قول المرأة : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] كالصريح في أن مراد النّساء بقولهن : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١] تعظيم لحسن يوسف وجماله لا في السّيرة ؛ لأن ظهور عذرها في شدّة عشقها ، إنما حصل بسبب فرط يوسف في الجمال لا بسبب فرط زهده وورعه ، فإن ذلك لا يناسب شدّة عشقها.
سلمنا أن المراد تشبيه يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالملك في حسن السّيرة ، فلم قلتم : يجب أن يكون يوسف أقل ثوابا من الملائكة؟
الحادي عشر : قوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٧٠] ، ومخلوقات الله ـ تعالى ـ إما المكلفون ، أو من عداهم ، ولا شك أن المكلفين أفضل من غيرهم ، فالمكلّفون أربعة أنواع : الملائكة ، والإنس ، والجنّ ، والشياطين ، ولا شكّ أن الإنس أفضل من الجنّ والشياطين ، فلو كان البشر أفضل من الملائكة لزم أن يكون البشر أفضل من كلّ المخلوقات ، وحينئذ لا يبقى لقوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) فائدة.
بل كان ينبغي أن يقال : «وفضّلناهم على جميع من خلقنا» ، ولما لم يقل ذلك علمنا أن الملك أفضل من البشر.
ولقائل أن يقول : هذا تمسّك بدليل الخطاب ؛ لأن التصريح بأنهم أفضل من كثير من المخلوقات لا يدلّ على أنه ليس أفضل من الباقي إلا بواسطة دليل الخطاب.
وأيضا فهب أن جنس الملائكة أفضل من [جنس بني آدم ، ولكن لا يلزم من كون أحد المجموعين أفضل من](١) المجموع الثاني [أن يكون كلّ واحد من أفراد المجموع الأول أفضل من أفراد المجموع الثاني](٢) ، فإنا إذا قدرنا عشرة من العبيد كلّ واحد منهم يساوي مائة دينار ، وعشرة أخرى حصل فيهم عبد يساوي مائتي دينار والتسعة الباقية كل واحد منهم دينارا ، فالمجموع الأول أفضل من المجموع الثاني ، إلا أنه حصل في المجموع الثّاني واحد هو أفضل من كلّ واحد من آحاد المجموع الأول فكذا هاهنا.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.