وأما من حيث النقل فلقوله عليه الصلاة والسلام : «رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان».
وقد يجاب عن الأول بأنا لا نسلّم أن آدم وحواء ـ عليهما الصلاة والصلام ـ قبلا من إبليس ذلك الكلام وصدّقاه ؛ لأنهما لو صدقاه لكانت معصيتهما في ذلك التصديق أعظم من أكل الشّجرة ؛ لأن إبليس لما قال لهما : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) الآية فقد ألقى إليهما سوء الظّن بالله ـ تعالى ـ ودعاهما إلى ترك التّسليم لأمره ، والرضا بحكمه ، وأن يعتقدا فيه كون إبليس ناصحا لهما ، وأن الرب ـ تعالى ـ قد غشهما ولا شك أن هذه الأشياء أعظم من أكل الشجرة ، فوجب أن تكون المعاتبة في ذلك أشد ، وأيضا آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان عالما بتمرد «إبليس» ، وكونه مبغضا له وحاسدا له ، فكيف يجوز من العاقل أن يقبل قول عدوّه مع هذه القرائن ، وليس في الآية أنهما أقدما على ذلك الفعل عند ذلك الكلام.
وأما الجواب الثاني : فهو أن العتاب إنما حصل على قلّة التحفّظ من أسباب النسيان ، وهذا الضرب من السّهو موضوع عن المسلمين ، وقد كان يجوز أن يؤاخذوا به ، وليس بموضوع عن الأنبياء لعظم خطرهم ومثّلوه بقوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب : ٣٢] ، ثم قال : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠].
وقال عليه الصلاة والسلام : «أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» (١) ، ولقد كان على النبي صلىاللهعليهوسلم من التّشديدات في التّكليف ما لم يكن على غيره.
وذكر بعض المفسّرين أن حوّاء سقته الخمر ، فسكر وفي أثناء السّكر فعل ذلك قالوا وهذا ليس ببعيد ؛ لأنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان مأذونا له في تناول كل الأشياء سوى تلك الشجرة ، فكان مأذونا له في تناول الخمر ، ولقائل أن يقول : إن خمر الجنّة لا يسكر لقوله تعالى في صفة خمر الجنة : (لا فِيها غَوْلٌ) [الصافات : ٤٧].
القول الثاني : أن آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فعله عامدا ؛ فهاهنا قولان :
أحدهما : أن ذلك النهي نهي تنزيه ، لا نهي تحريم ، وقد تقدم.
الثاني : أنه تعمّد وأقدم على الأكل بسبب اجتهاد أخطأ فيه ، وذلك لا يقتضي كون الذّنب
كبيرة ، وهذا اختيار أكثر المعتزلة.
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في السنن ٢ / ١٣٣٤ كتاب الفتن (٣٦) باب الصبر على البلاء (٢٣) حديث رقم ٤٠٢٣ ـ والحاكم في المستدرك ٣ / ٤٤٣.
والبخاري في التاريخ الكبير ٨ / ١١٥.
وذكره الزبيدي في الإتحاف ٥ / ١١٦ ، ٨ / ١٢١ ، ٥٦٠ ، ٩ / ٥٢٣.
والهندي في كنز العمال حديث رقم ٦٧٨٠ ، ٦٧٨١ ، ٦٨٣٠.