الاعتراض الرابع : هذه المسألة إما أن تكون من المسائل القطعية أو الظنية ، فإن كانت من القطعيات كان الخطأ فيها كبيرا ، وحينئذ يعود الإشكال ، وإن كانت من الظّنيات فإن قلنا : إن كل مجتهد مصيب فلا يتحقّق الخطأ فيها أصلا.
وإن قلنا : المصيب فيها واحد ، والمخطىء فيها معذور بالاتفاق ، فكيف صار هذا القدر من الخطأ سببا لإخراج آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الجنة؟
والجواب عن الأول : أن لفظة «هذا» وإن كان في الأصل إشارة إلى الشّخص ، لكنه قد يستعمل في الإشارة إلى النوع كما تقدم بيانه.
والجواب عن الثاني : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان قد قرن به ما دلّ على أنّ المراد هو النوع ، لكن لعلّ آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قصر في معرفة ذلك الدّليل ؛ لأنه ظنّ أنه لا يلزمه ذلك في الحال.
أو يقال : إنه عرف ذلك الدليل في وقت ما نهاه الله ـ تعالى ـ عن عين الشّجرة ، فلما طالت المدة غفل عنه ؛ لأن في الخبر أن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقي في الجنّة الدهر الطويل ، ثم أخرج.
والجواب عن الثالث : أنه لا حاجة هاهنا إلى إثبات أن الأنبياء تمسّكوا بالاجتهاد ، فإنّا بيّنّا أنّ آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قصّر في معرفة تلك الدّلالة ، وإن كان قد عرفها ، لكنه قد نسيها ، وهو المراد من قوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥].
والجواب عن الرّابع : يمكن أن يقال [كانت](١) الدلالة قطعية [إلا أنه](٢) ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما نسيها صار النّسيان عذرا في ألّا يصير الذنب كبيرا ، أو يقال : كانت ظنية إلّا أنه ترتّب عليه من التّشديدات ما لم يترتّب على خطأ سائر المجتهدين ؛ لأن ذلك يجوز أن يختلف باختلاف الأشخاص ، وكما أن الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مخصوص بأمور كثيرة في باب التّشديدات بما لا يثبت في حق الأمة فكذا هاهنا.
واعلم أنه يمكن أن يقال في المسألة وجه آخر ، وهو أنه ـ تعالى ـ لما قال : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) [الأعراف : ١٩] فهم آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ من هذا النهي أنهما إنما نهيا حال اجتماعهما ؛ لأن قوله : (وَلا تَقْرَبا) نهي لهما عن الجمع ، ولا يلزم من حصول النهي حال الاجتماع حصوله حال الانفراد ، فلعل الخطأ في الاجتهاد إنما وقع من هذا الوجه.
قوله : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : لأنه.