أولى. وهذا ضعيف ؛ لأنه يجوز أن يراد : ولكم في الأرض مستقرّ بعد ذلك.
وثانيهما : أنه قال في الهبوط الثّاني : (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) ، والضمير في «منها» عائد إلى «الجنّة» ، وذلك يقتضي كون الهبوط الثاني من الجنّة.
قال «ابن عطيّة» (١) : وحكى «النّقاش» أن الهبوط الثّاني إنما هو من الجنّة إلى السّماء ، والأولى في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض ، وهو الآخر (٢) في الوقوع.
وقيل : كرّر على سبيل التّأكيد نحو قولك : «قم قم».
والضّمير في «منها» يعود على الجنّة ، أو السّماء.
قال «ابن الخطيب» (٣) : وعندي فيه وجه ثالث ، وهو أن آدم وحواء لما أتيا بالزّلّة أمرا بالهبوط ، فتابا بعد الأمر بالهبوط ، فأعاد الله الأمر بالهبوط مرّة ثانية ليعلما أن الأمر بالهبوط ما كان جزاء على ارتكاب الزّلّة حتى يزول بزوالها ، بل الأمر بالهبوط باق بعد التوبة ؛ لأن الأمر به كان تحقيقا للوعد المتقدّم في قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٤) [البقرة : ٣٠].
قوله : «جميعا» حال من فاعل «اهبطوا» أي : مجتمعين : إما في زمان واحد ، أو في أزمنة متفرقة ؛ لأن المراد الاشتراك في أصل الفعل ، وهذا هو الفرق بين «جاءوا جميعا» ، و «جاءوا معا» ، فإن قوك : «معا» يستلزم مجيئهم جميعا في زمن واحد ، لما دلّت عليه «مع» من الاصطحاب بخلاف «جميعا» فإنها لا تفيد إلا أنه لم يتخلّف أحد منهم عن المجيء من غير تعرّض لاتحاد الزمان.
و «جميع» في الأصل من ألفاظ التّوكيد ، نحو : «كل» ، وبعضهم عدها معها.
وقال «ابن عطية» : و «جميعا» حال من الضمير في «اهبطوا» ، وليس بمصدر ولا اسم فاعل ، ولكنه عوض منهما دالّ عليهما ، كأنه قال : هبوطا جميعا أو هابطين جميعا ، كأنه يعني أن الحال في الحقيقة محذوف ، وأن «جميعا» تأكيد له ، إلّا أن تقديره بالمصدر ينفي جعله حالا إلا بتأويل لا حاجة إليه.
__________________
(١) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٣١.
(٢) في ب : الأخير.
(٣) ينظر الفخر الرازي : ٣ / ٢٥.
(٤) في أ : قال الحكيم الترمذي : إن آدم ـ عليهالسلام ـ لما أهبط إلى الأرض ، جاء «إبليس» إلى السّباع ، فأشلاهم على آدم ليؤذوه ، وكان أشدهم عليه الكلب ، فأميت فؤاده ، فروي أن جبريل ـ عليهالسلام ـ أمره أن يضع يده على رأسه ، فوضعها ، فاطمأن إليه وألفه ، فصار ممن يكرمه ، ويحرس ولده ، ويموت فؤاده ، فيفزع من الآدميين ، فلو رمي بمدر ، ولّى هاربا ثم يعود آلفا له ، ففيه شعبة من «إبليس» ، وفيه شعبة من مسحة آدم ـ عليهالسلام ـ ، فهو بشعبة إبليس ينبح ، ويهر ، ويعدو على الآدمي ، وبمسحة آدم مات فؤاده ، حتى ذلّ ، وانقاد ، وألف به وبولده ، يحرسهم ، ولهثه على كل أحواله من موت فؤاده.
قلت : ولا أظن هذا ثابتا.