وقال بعضهم : التّقدير : قلنا : اهبطوا مجتمعين ، فهبطوا جميعا ، فحذف الحال من الأول لدلالة الثّاني عليه ، وحذف العامل من الثاني لدلالة الأول عليه ، وهذا تكلّف لم تدع إليه الضرورة.
قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ) الفاء مرتبة معقبة. و «إمّا» أصلها : إن الشرطية زيدت عليها «ما» تأكيدا ، و «يأتينكم» في محلّ جزم بالشّرط ؛ لأنه بني لاتصاله بنون التوكيد.
وقيل : بل هو معرب مطلقا.
وقيل : مبني مطلقا.
والصّحيح : التفصيل : إن باشرته كهذه الآية بني ، وإلا أعرب ، نحو : هل يقومان؟ وبني على الفتح طلبا للخفّة ، وقيل : بل بني على السّكون ، وحرك بالفتح لالتقاء السّاكنين.
وذهب الزجاج والمبرد إلى أن الفعل الواقع بعد «إن» الشّرطية المؤكّدة ب «ما» يجب تأكيده بالنون ، قالا : ولذلك لم يأت التّنزيل إلّا عليه ، وذهب سيبويه إلى أنّه جائز لا واجب ؛ لكثرة ما جاء به منه في الشعر غير مؤكّد ، فكثرة مجيئه غير مؤكّد يدلّ على عدم الوجوب ؛ فمن ذلك قوله : [الطويل]
٤١٣ ـ فإمّا تريني كابنة الرّمل ضاحيا |
|
على رقّة أحفى ولا أتنعّل (١) |
وقول الآخر : [البسيط]
٤١٤ ـ يا صاح إمّا تجدني غير دي جدة |
|
فما التّخلّي عن الخلّان من شيمي (٢) |
وقول الآخر : [المتقارب]
٤١٥ ـ فإمّا تريني ولي لمّة |
|
فإنّ الحوادث أودى بها (٣) |
وقول الآخر : [الكامل]
٤١٦ ـ زعمت تماضر أنّني إمّا أمت |
|
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (٤) |
__________________
(١) البيت للشنفرى. ينظر البحر المحيط : ١ / ٣٢١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٩٧ ، والدر المصون : ١ / ١٩٧.
(٢) ينظر أوضح المسالك : ٤ / ٩٧ ، وخزانة الأدب : ١١ / ٤٣١ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٤٩٧ ، وشرح التصريح : ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٣٣٩ ، الدر المصون : ١ / ١٩٧.
(٣) البيت للأعشى في ديوانه (٢٢١) وهو في الكتاب (٢ / ٤٦) ، وابن يعيش (٥ / ٩٥) ، (٩ / ٦ / ٤١) ، الأمالي الشجرية (٢ / ٣٤٥) ، الإنصاف (٢ / ٤٦٤) ، التصريح (١ / ٢٧٨) ، الأشموني (٢ / ٥٤) ، (٣ / ٢١٦) ، الدر المصون ١ / ١٩٨.
(٤) البيت لسلمى بن ربيعة ينظر الأصمعيات : (١٦١) ، الحماسة : (١ / ٢٨٦) ، النوادر : (١٢١) ، ابن الشجري : (٢ / ٦٩) ، الهمع : (٢ / ٦٣) ، المفصل : (٥١٩) ، الدرر : (٢ / ٧٩) ، الدر المصون : (١ / ١٩٧) ، والبحر المحيط : (١ / ٣٢١).