إنما يتم لو كان المخاطب بهذا الكلام آدم وبنيه ، فالرّسل إلى آدم من الملائكة ، وإلى بنيه من البشر.
وقيل : المراد من الهدى كل دلالة وبيان.
وقيل : التوفيق للهداية. وفي قوله : «مني هدى» إشارة إلى أن أفعال العباد خلق لله تعالى.
و «من» يجوز أن تكون شرطية ، وهو الظاهر ، ويجوز أن تكون موصولة ، ودخلت الفاء في خبرها تشبيها لها بالشرط ، ولا حاجة إلى هذا ، فإن كانت شرطية كان «تبع» في محل جزم ، وكذا «فلا خوف» لكونهما شرطا وجزاء ، وإن كانت موصولة فلا محلّ ل «تبع» ، وإذا قيل بأنها شرطية فهي مبتدأ أيضا ، وفي خبرها خلاف مشهور.
والأصح أنه فعل الشرط ، بدليل أنه يلزم عود ضمير من فعل الشرط اسم الشرط ، ولا يلزم ذلك في الجواب ، تقول : «من يقم أكرم زيدا» ، فليس في «أكرم زيدا» ضمير يعود على «من» ولو كان خبرا للزم فيه ضمير.
ولو قلت : «من يقم زيدا أكرمه» وأنت تعيد الهاء على «من» لم يجز ، لخلوّ فعل الشرط من الضمير.
وقيل : الخبر الجواب ، ويلزم هؤلاء أن يأتوا فيه بعائد على اسم الشرط ، فلا يجوز عندهم : «من يقم أكرم زيدا» ولكنه جائز ، هذا ما أورده أبو البقاء.
وسيأتي تحقيق القول في لزوم عود الضّمير من الجواب إلى اسم الشّرط عند قوله : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٧].
وقيل : مجموع الشرط والجزاء هو الخبر ، لأن الفائدة إنما تحصل بهما.
وقيل : ما كان فيه ضمير عائد على المبتدأ ، فهو الخبر والمشهور «هداي» ، وقرىء : «هديّ» بقلب الألف ياء ، وإدغامها في ياء المتكلم ، وهي لغة «هذيل» ، يقولون في عصاي : عصيّ ، وقال شاعرهم : [الكامل]
٤١٨ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم |
|
فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (١) |
كأنهم لما لم يصلوا إلى ما تستحقه ياء المتكلّم من كسر ما قبلها لكونه ألفا أتوا بما يجانس الكسرة ، فقلبوا الألف ياء.
__________________
(١) البيت لأبي ذؤيب في إنباه الرواة ١ / ٥٢ ، والدرر ٥ / ٥١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٠ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، وشرح قطر الندى ص ١٩١ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٣ ، وكتاب اللامات ص ٩٨ ، ولسان العرب (هوا) ؛ والمحتسب ١ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٩٩ ، وجواهر الأدب ص ١٧٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣١ ، والمقرب ١ / ٢١٧ ، الدر المصون ١ / ١٩٩.