طريقة التفسير النقدي ، أو الأثري النظري الذي صار إليه بعده «ابن جرير الطبري» واشتهر بها.
ذلك هو تفسير «يحيى بن سلام» التميمي البصري المتوفى سنة ٢٠٠ ه ، ويقع في ثلاث مجلدات ضخمة ، وقد بناه على إيراد الأخبار مسندة ، ثم تعقبها بالنقد والاختيار ، وكان يبني اختياره على المعنى اللغوي والتخريج الإعرابي .. وتوجد من هذا التفسير نسخة بتونس» (١).
ويعد ابن جرير الطبري ربيب تلك الطريقة ، طريقة يحيى بن سلام ، وثمرة غرسه.
وقد ذكر السيوطي عددا من مفسري هذا الاتجاه الأثري منهم :
* يزيد بن هارون ت ١١٧ ه.
* شعبة بن الحجاج ت ١٦٠ ه.
* وكيع بن الجراح ت ١٩٧ ه.
* سفيان بن عيينة ت ١٩٨ ه ، وغيرهم.
«ابن جرير الطبري» (٢) :
لكن التفسير حين انتهى إلى الطبري في أوائل القرن الثالث الهجري «كان نهرا مزبدا ، ذا ركام ورواسب ، قد انصب إلى بحر خضمّ عباب ، فامتزج بمائه ، وتشرب من عناصره ، وصفا إليه من زبده ، وتطهر لديه من ركامه ورواسبه» (٣).
«وابن جرير» فقيه ، عالم ، تبحر في فنون شتى من العلم ، فهو أحد المشاهير من رجال التاريخ ، ويعد كتابه «تاريخ الأمم والملوك ..» فيه مرجع المراجع ، وبه صار إمام المؤرخين غير منازع.
وقد شهد له بذلك كثير من الأعلام. يقول الخطيب البغدادي (٤) :
«جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات كلها ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في الأحكام ، عالما بالسنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، عارفا بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك ، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله ....».
لقد امتلك الطبري أدوات التفسير فاستخدمها بمهارة وحذق ، ومن هنا عدّ تفسيره «ذا أولية بين كتب التفسير ، أولية زمنية ، وأولية من الناحية الفنية والصياغة .. أما أوليته الزمنية فلأنه أقدم كتاب في التفسير وصل إلينا وما سبقه من المحاولات التفسيرية ذهبت بمرور
__________________
(١) التفسير ورجاله / ابن عاشور ص ٢٧.
(٢) هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ، الإمام أبو جعفر الطبري ، ولد سنة ٢٢٤ ه ، وتوفي سنة ٣١٠ ه وقد جاوز الثمانين بخمس أو ست سنين.
(٣) التفسير ورجاله ص ٣٠.
(٤) البداية والنهاية لابن كثير ١١ / ١٥٦.