الزمن ، ولم يصل إلينا شيء منها ، اللهم إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده» (١).
«وأما أوليته من ناحية الفن والصياغة ، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة التي سلكها فيه مؤلفه ، حتى أخرجه للناس كتابا له قيمته ومكانته» (٢).
طريقة الطّبريّ في التّفسير :
حين يفسر الطبري آية يضع لها عنوانا هكذا «القول في تأويل قوله جل ثناؤه ...» ثم يقول : يعني تعالى بذلك ... ، ويستشهد على التفسير بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين ، عارضا المعاني الحقيقية والمجازية في استعمالات العرب ، مستشهدا بالشعر العربي على ما يثبت استعمال اللفظ في المعنى الذي حمله عليه.
وقد يعرض أقوال الصحابة والتابعين إذا تعددت في الآية الواحدة ، ثم لا يكتفي بمجرد العرض ، وإنما يرجح رأيا على رأي بقوله (٣) :
«وأولى الأقول عندي بالصواب ...» أو «وقال أبو جعفر : والصواب من القول في هذه الآية ...» ، أو «وأولى التأويلات بالآية ....». ثم يؤيد رأيه بقوله : «وبمثل الذي قلنا قال أهل التأويل ...» أو بعرض حجج وأدلة قائلا : «وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية لأن ...» وقد عني ابن جرير بالقراءات عناية كبيرة ، ولا غرو فهو من علماء القراءات المشهورين وله فيها مؤلّف ، إلا أنه ضاع ضمن ما ضاع من التراث العربي القديم.
كما اهتم الطبري بالشعر القديم ، يستشهد به على الغريب وهو في ذلك تابع لابن عباس. كما كانت له عناية بالمذاهب النحوية البصرية والكوفية ، يورد الرأي ويوجهه.
ويورد بعض الأحكام الفقهية في تفسيره مختارا لأحد الآراء ، مؤيّدا اختياره بالأدلة العلمية القيمة (٤) ..
رحم الله الطبري وجزاه عن القرآن وتفسيره خير الجزاء ..
ثانيا : الاتّجاه اللّغويّ :
وقد بدا هذا الاتجاه واضحا في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث ، إذ نشأ علم النحو ، ونضجت علوم اللغة على أيدي الرواد أمثال أبي عمرو بن العلاء ، ويونس ابن حبيب ، والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم.
__________________
(١) هذا على اعتبار فقد تفسير «يحيى بن سلام» الذي أشرت إليه آنفا ، أما وقد ذكر الإمام الفاضل ابن عاشور أن نسخة من الكتاب موجودة في تونس فإن تفسير الطبري لا يعد ذا أولية زمنية.
(٢) التفسير والمفسرون ١ / ٢٠٥.
(٣) راجع : تفسير الطبري.
(٤) راجع : التفسير والمفسرون ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٨.