وبعض العلماء ينكر هذه القصة لأن أبا عبيدة لم يشر إليها في مقدمة كتابه ... (١)
ومن الذين كتبوا عن اتجاهات التفسير من يسلك أبا عبيدة ـ من خلال كتابه هذا ـ في سلك الاتجاه البياني في التفسير ، وأكثرهم يعده رائدا في الاتجاه اللغوي.
على أن أبا عبيدة «لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة ، وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية» (٢).
فقد يستعمل أبو عبيدة لفظ المجاز قاصدا به معنى اللفظ. فمثلا في قوله تعالى (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) يقول : «مجازه : شددني إليك ، ومنه قولهم : وزعني الحلم عن السفاه أي منعني ، ومنه الوزعة الذين يدفعون الخصوم والناس عن القضاة والأمراء» ثم يستشهد بالبيت :
على حين عاتبت المشيب على الصّبا |
|
فقلت ألمّا تصح والشّيب وازع (٣) |
وأما أبو زكريا الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ ه فكان يستعين بتفسيرات السلف مضيفا له ما أدى إليه اجتهاده اللغوي ، وكذا الزجاج المتوفى سنة ٣١١ ه» (٤).
لقد استلهم الفراء الحسّ اللغوي محكما ذوقه وعقله ، كما راعى السياق العام في الآية ولذا نجده يفضل قراءة تحقق التجانس بين الكلمات المتجاورات على غيرها (٥).
ثالثا : الاتجاه البياني (٦)
وبذور هذا الاتجاه نجدها في تفسير ابن عباس المبثوث في ثنايا التفسير الأثري ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن جرير في تفسير قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ). أن عمر رضي الله عنه سأل الناس عن هذه الآية فما وجد أحدا يشفيه حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها شيئا فتلفت إليه فقال تحول هاهنا لم تحقر نفسك؟ قال :
هذا مثل ضربه الله عزوجل فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله ختم
__________________
(١) راجع خطوات التفسير البياني ص ٤٤ ، ٤٥ وقد ذكر الدكتور رجب البيومي أسبابا أخرى ومبررات لرفض هذه القصة.
(٢) فتاوى ابن تيمية كتاب الإيمان ص ٨٨.
(٣) مجاز القرآن ٢ / ٩٢ ، ٩٣.
(٤) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٨.
(٥) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٩ ، ٢٤٠ (بتصرف وإيجاز).
(٦) بعض المؤلفين في تاريخ التفسير يضعون اتجاها ثالثا بدلا من هذا يطلقون عليه «الاتجاه النقدي» ، وبعضهم يسلك هذا الاتجاه ضمن الاتجاه الأثري. انظر : التفسير ورجاله : ابن عاشور ص ٢٦.