ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كله فحرقه أحوج ما كان إليه (١).
«وهو من باب الاستعارة التمثيلية ، وقد ألمع إليه ابن عباس بقوله المقارب هذا مثل ضربه الله عزوجل ... الخ ، وهل قال البلاغيون فيما بعد غير ذلك!» (٢).
ونهج تلاميذ ابن عباس نهجه وكان أكثرهم نتاجا في هذا الاتجاه «مجاهد» (٣) وأما تأصيل هذا الاتجاه فقد كان على يد «أبي عبيدة» صاحب «مجاز القرآن» ، ويعد صاحب الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.
«وفضل هذا الكتاب في الدراسات البلاغية أنه حين تعرض للنصوص القرآنية أشار إلى ما تدل عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير ، فوضع بذلك اللبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغية للقرآن ... وإذا كان عبد القاهر أظهر من نادى من البلغاء بأن يوضع الكلام الوضع الذي يقتضيه علم النحو ، وهو ما سمي بقضية النظم ، فإن بذور قضيته هذه كانت تكمن في مجاز «أبي عبيدة» حيث رأى في زمنه السابق ما رآه صاحب الدلائل في زمنه اللاحق ، فكان بذلك الرائد الأول لعلم المعاني عند من يلتمسون الجذور الضاربة في الأعماق» (٤).
وقد رتب «أبو عبيدة» كتابه وفق ترتيب السور القرآنية في المصحف ومن هنا صار من اليسير أن يرجع الدارس إلى ما ذكر أبو عبيدة في توجيه الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٥) حيث قال : إنها كناية وتشبيه (٦).
ومن مثل قوله تعالى : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ)(٧) حيث أتبع الآية بتحليل بياني وعدها من مجاز التمثيل حين قال :
«ومجاز الآية مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف وهو ما يجرف من الأودية فلا يثبت البناء عليه» (٨).
__________________
(١) تفسير ابن جرير ٣ / ٤٧.
(٢) راجع : خطوات التفسير البياني ص ٢١ وفيه شواهد أخرى.
(٣) راجع الأمثلة التي ذكرها الدكتور رجب البيومي في خطوات التفسير البياني ص ٣٤ وما بعدها.
(٤) خطوات التفسير البياني ص ٤٦ ، ٤٧.
(٥) الآية ٢٢٣ من سورة البقرة.
(٦) راجع : مجاز القرآن ١ / ٧٣.
(٧) الآية ١٠٩ من سورة التوبة.
(٨) مجاز القرآن ١ / ٢٦٩ ، وانظر : خطوات التفسير البياني ص ٥١ ، ٥٢.