في كتابه «التهذيب» ، وابن الحاج في «شرح المقرب» ، وابن الخباز في شرح ألفية ابن معطي ، وأبي علي الشلوبين وغيرهم من علماء العربية الذين أكثروا من الاستشهاد بالأحاديث في مسائلهم اللغوية والنحوية.
غير أن هناك نوعا من الأحاديث التي لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج بها في اللغة ، وقد ذكر شيخنا العلامة الخضر حسين أنواع هذه الأحاديث :
١ ـ الأحاديث التي رويت بقصد الاستدلال على كمال فصاحة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كقوله : «حمي الوطيس» ، وقوله : «مات حتف أنفه» إلى غير ذلك من الأحاديث المشتملة على فصاحة النبي ، ومنزلته من البيان.
٢ ـ الأحاديث التي تشتمل على جملة من الأقوال المتعبد بها كألفاظ التحيات والقنوت والأذكار والأدعية.
٣ ـ الأحاديث التي تروى شاهدا على أنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم ، حيث كان الرواة يقصدون ألفاظ الحديث لبيان المقصود.
٤ ـ الأحاديث التي اتّحدت ألفاظها ، وتعددت طرق ورودها ، حيث إن اتحاد اللفظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يتصرفوا في ألفاظ هذه الأحاديث.
٥ ـ كذلك يقبل الاستشهاد بالأحاديث التي دوّنها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللّغة ، كمالك بن أنس ، وعبد الملك بن جريج ، والإمام الشّافعي.
٦ ـ الأحاديث التي عرف من حال رواتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل ابن سيرين ، والقاسم بن محمد ، ورجاء بن حيوة ، وعلي بن المديني.
كما أنه ينبغي أن نعلم أن هناك نوعا من الأحاديث لا يحتج به ، وهي الأحاديث التي لم تدون في الصدر الأول ، وإنما تروى في كتب بعض المتأخرين.
ولا يحتج بهذا النوع من الأحاديث سواء أكان سندها مقطوعا أم متصلا (١).
بعد هذا العرض الموجز لهذه القضية نرى الاستشهاد بألفاظ الأحاديث التي رويت في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول ، وإن اختلفت فيها الرواية ، ولا نستثني من ذلك إلا الألفاظ الشّاذة التي أوضحها العلماء والمحققون ، ولعل ما ينصر مذهبنا هذا هو استشهاد جمهور عريض من علماء العربية بالأحاديث النبوية الشريفة في تقرير مدلولات اللغة وقواعد النحو.
__________________
(١) ينظر رسائل الإصلاح ص ١٧٤.