أذهانهم ، فلم يكونوا يحفظون الألفاظ بالضبط والكتابة ولا سيما ألفاظ الأحاديث الطويلة.
ومن علماء العربية الذين ارتضوا هذا المذهب ونصروه الشيخ أبو حيان في «شرح التسهيل» ، وأبو الحسن الصائغ في «شرح الجمل» ، والإمام جلال الدين السيوطي.
يقول ابن الصائغ في «شرح الجمل» : «لو لا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان أولى وأثبت في إثبات فصيح اللغة كلام رسول ـ صلىاللهعليهوسلم».
ردود المجوزين على أدلّة المانعين
بالنسبة لشبهة عدم الوثوق بأن الألفاظ التي رويت هي بعينها نصّ ألفاظ الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ التي نطق بها نتيجة نقل الرّواة الأحاديث بالمعنى ، فقد أجاب المجيزون على هذا بأن كثيرا من علماء الإسلام قد منع رواية الأحاديث بالمعنى ، كما أنّ الذين أجازوا الرواية بالمعنى شرطوا لذلك أن يكون الراوي على علم بما يغير المعنى بالزيادة أو بالنقص ، وأن يكون الراوي ملمّا بمدلولات الألفاظ ومواقعها.
ولقد اعترف الذين أجازوا الرواية بالمعنى بأن الرواية باللفظ هي الأولى وهي مقدّمة ، لأن الرواية بالمعنى في رأيهم ليست إلا رخصة تقتضيها الضرورة.
وأضافوا إلى ذلك أنّ إجازة الرواية بالمعنى في غير ما لم يدوّن في الكتب ، أمّا ما دوّن في الكتب فلا يجوز التصرف فيه بوجه ، كما أنه يلاحظ أنّ تدوين الكتب قد وقع قبل أن تفسد اللّغة ، أما ما وقع من نقل بالمعنى في الأحاديث المدونة فإنما وقع ممن يصحّ الاحتجاج بأقوالهم (١).
وبالنسبة لشبهة تسرّب اللّحن إلى الرواة في نقل ألفاظ الأحاديث فمن الواضح أن الذين نشأوا في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة انتشارا بحيث يرفع الثقة بفصاحة لهجتها ـ أن هؤلاء يوثق بأقوالهم وإن تأخروا عن منتصف القرن الثاني ، حيث إن الباحثين ذكروا أن إبراهيم بن هرمة آخر من يحتج بشعرهم ، وقد توفي عام ١٧٦ ه. كما أن كثيرا مما يرى أنه لحن قد ظهر له وجه من الصحة ، وقد ألف في هذا الباب ابن مالك كتابه «التوضيح في حل مشكلات الجامع الصحيح» ، حيث ذكر للأحاديث التي يشكل إعرابها وجوها متعددة يتضح بها أنها عربية فصيحة.
أما إذا وجدنا بعض الألفاظ غير موافقة لقواعد العربية ، فلا يعني ذلك ترك الاحتجاج بالحديث جملة واحدة ، وإنما يحمل أمر هذه الألفاظ على قلّة ضبط أحد الرواة أو بعضهم.
خلاصة القول أنه ينبغي إدراج الأحاديث النّبوية الشّريفة كدلائل لتقرير الأحكام اللّغوية ، والاستشهادات النحوية ، وإلى ذلك ذهب كثير من أئمة اللغة كأبي منصور الأزهري
__________________
(١) ينظر رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسنين ص ١٦٤.