فَاسْتَعِذْ) يحتمل أن يكون المراد منه : إذا أردت ، وإذا ثبت الاحتمال ، وجب حمل اللفظ عليه توفيقا بين الآية وبين الخبر الذي رويناه ، ومما يقوي ذلك من المناسبات العقلية ، أن المقصود من الاستعاذة نفي وساوس الشيطان عند القراءة ؛ قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [الحج : ٥٢] فأمره الله ـ تعالى ـ بتقديم الاستعاذة قبل القراءة ؛ لهذا السبب.
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : «وأقول : ها هنا قول ثالث : وهو [أن](٢)
__________________
ـ وقولنا : «من هذه الأمة» خرج به اتفاق مجتهدي الشرائع السالفة.
وقولنا : «بعد وفاة ـ محمد صلىاللهعليهوسلم ـ» متعلق باتفاق لا بالمجتهدين لأن قبل وفاته اتفاقهم حجة بعد وفاته ، وخرج به اتفاق المجتهدين في حياته ؛ لأن قولهم دونه لا يصح ، وإن كان معهم ، فالحجة في قوله ، وقولنا «في عصر» أي : في زمان قل أو كثر ، وهو نكرة ، فالمراد الاتفاق في أي عصر كان ، وقيل : لو لا ه لم يدخل إلا اتفاق كل المؤمنين إلى يوم القيامة ، ولكن الحق أن الأمة تطلق على الموجودين في عصر ؛ كما تطلق على كل المؤمنين من لدن البعثة إلى يوم القيامة ، والمتبادر هو الإطلاق الأول ، فيصح الاستغناء عنه ؛ ولذا قال في التلويح : ولا يخفى أن من تركه ، أي : قيده في عصر إنما تركه لوضوحه ، لكن التصريح به أنسب بالتعريفات اه ، أي : لاحتمال لفظ الأمة المعنى الثاني.
ينظر البرهان لإمام الحرمين : ١ / ٦٧٠ ، والبحر المحيط للزركشي : ٤ / ٤٣٥ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ١ / ١٧٩ ، وسلاسل الذهب للزركشي ص ٣٣٧ ، والتمهيد للإسنوي ص ٤٥١ ، ونهاية السول له : ٣ / ٢٣٧ ، وزوائد الأصول له : ص ٣٦٢ ، ومنهاج العقول للبدخشي : ٢ / ٣٧٧ ، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص ٢٠٩ ، والتحصيل من المحصول للأرموي : ٢ / ٣٧ ، والمنخول للغزالي : ص ٣٠٣ ، والمستصفى له : ١ / ١٧٣ ، وحاشية البناني : ٢ / ١٧٦ ، والإبهاج لا بن السبكي : ٢ / ٣٤٩ ، والآيات البينات لا بن قاسم العبادي : ٣ / ٢٧٨ ، وحاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ / ٢٠٩ ، والمعتمد لأبي الحسين : ٢ / ٣ ، وإحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي : ص ٤٣٥ ، والتحرير لا بن الهمام : ص ٣٩٩ ، وتيسير التحرير لأمير بادشاه : ٣ / ٢٢٤ ، والتقرير والتحبير لا بن أمير الحاج : ٣ / ٨٠ ، وميزان الأصول للسمرقندي : ٢ / ٧٠٩ ، وكشف الأسرار للنسفي : ٢ / ١٨٠ ، وحاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى : ٢ / ٣٤ ، وشرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ٢ / ٤١ ، وحاشية نسمات الأسحار لا بن عابدين : ص ٢٠٩ ، وشرح المنار لا بن ملك : ص ٩٩ ، والوجيز للكراماسي: ص ٦١ ، وتقريب الوصول لا بن جزي : ص ١٢٩ ، وإرشاد الفحول للشوكاني : ص ٧١ ، وشرح مختصر المنار للكوراني : ص ٩٩ ، ونشر البنود للشنقيطي : ٢ / ٧٤ ، وشرح الكوكب المنير للفتوحي : ص ٢٢٥.
(١) محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ، سلطان المتكلمين في زمانه ، فخر الدين ، أبو عبد الله الرازي ، ولد سنة ٥٤٤ ، واشتغل أولا على والده ضياء الدين عمر ، ثم على الكمال السمناني ، وعلى المجد الجيلي وغيرهما ، وأتقن علوما كثيرة ، وبرز فيها وتقدم وساد ، وصنف في فنون كثيرة ، وروي عنه ندمه على الدخول في علم الكلام ، وله التفسير الكبير «مفاتيح الغيب» وهو مطبوع ، وكذلك كتاب «المحصول» وغيرهما ـ مات سنة ٦٠٦. انظر ط. ابن قاضي شهبة : ٢ / ٦٥ ، ولسان الميزان : ٤ / ٤٢٦ ، والأعلام : ٧ / ٢٠٣.
(٢) في أ : أنه.