أمّا جمهور الفقهاء ـ رحمهمالله تعالى ـ فقالوا : إنّ قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
__________________
ـ بمطّرد ، ولا أنه مشترك لفظيّ بينهما كما ذكره الغزاليّ أو لا ملجىء إليه مع أنه خلاف الأصل. وقال ابن برهان ، وابن السّمعانيّ : العزم أشبه باللّغة ، والاتّفاق أشبه بالشّرع ، ويجاب عنه بأن الاتّفاق ، وإن كان أشبه بالشّرع ، فذاك لا ينافي كونه معنى لغويّا ، وكون اللّفظ مشتركا بينه وبين العزم. قال أبو عليّ الفارسي : يقال : أجمع القوم إذا صاروا ذوي جمع كما يقال : ألبن وأتمر : إذا صار ذا لبن وتمر ، والّذي يظهر في تحرير المعنى اللّغوي : أنّ بين العزم والاتفاق عموما وخصوصا وجهيّا يجتمعان في اتفاق الجماعة في إرادة شيء وينفرد العزم في إرادة الواحد ، وينفرد الاتّفاق في اتفاق الجماعة ؛ من قول ، أو فعل بدون إرادة وعزم.
ولا ريب في أنّ المعنى الثاني بالاصطلاحي أنسب ، فإنّ الاتفاق مطلق يشمل اتفاق جمع ما ولو كفارا على أمر ما ولو معصية ، والاصطلاحي اتّفاق مقيد.
وقال صاحب التّقرير : كون المعنى الثاني أنسب مبنيّ على أنه إذا لم يبق من المجتهدين إلا واحد ، لا يكون قوله حجّة كما هو أحد القولين ، أي : وأما على رأي من يقول أنّه حجّة ، يكون المعنى الأول أنسب ، فمن قال : إنه حجّة ، لا يقول : إنه إجماع ؛ لأنه لا يصدق عليه تعريف الإجماع ، فلا يكون المعنى الأوّل أنسب ، ويكون المعنى الثاني هو الأنسب.
الإجماع اصطلاحا عرّفه الرّازيّ في «المحصول» بأنه : «عبارة عن اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم. على أمر من الأمور».
وعرّفه الآمديّ بقوله : عبارة عن اتّفاق جملة أهل الحلّ والعقد من أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في عصر من الأعصار على واقعة من الوقائع.
وعرّفه النّظّام من المعتزلة بقوله : هو كلّ قول قامت حجّته حتّى قول الواحد.
وعرّفه سراج الدين الأرمويّ في «التحصيل» بقوله : هو اتّفاق المسلمين المجتهدين في أحكام الشّرع على أمر ما ، من اعتقاد ، أو قول ، أو فعل.
ويمكن أن يعرّف بأنّه : اتفاق المجتهدين من هذه الأمّة بعد وفاة ـ محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في عصر على أمر شرعيّ.
فقولنا : «اتّفاق» جنس في التعريف يعمّ كلّ اتفاق ، وخرج عنه أمران ، اختلاف المجتهدين ، وقول المجتهد الواحد إذا انفرد في عصر ، فإنه لا يكون إجماعا ؛ لأنّ الاتفاق أقلّ ما يتحقّق بين اثنين ، والمراد به الاشتراك في الاعتقاد ، أو القول ، أو الفعل ، أو ما في معناه ؛ كالسّكوت عند من يرى أنّ ذلك كاف في الإجماع ، ولمّا كانت العبرة في الإجماع بالاعتقاد كما يؤخذ من كلامهم في مواضع ، فالمراد به الاشتراك في الاعتقاد فقط ، أو في الاعتقاد مع القول ، أو في الاعتقاد مع الفعل ، وهذا معنى قول من قال : أو مانعة خلو تجوز الجمع ، ومعنى الاشتراك في الاعتقاد : أن يعتقدوا جميعا الحكم المجمع عليه ، وفي القول : أن يتكلموا بما يدلّ عليه ، وفي الفعل : أن يأتوا بمتعلّقه ، إذا كان من باب الفعل ، وفي السّكوت : أن يقول بعضهم حكما في مسألة اجتهاديّة ، ويسكت الباقون بعد العلم به ، ومضيّ مدة التأمّل عادة سكوتا مجردا عن أمارة سخط وتقيّة ، وكل من الاتفاق القولي والعملي يسمّى عزيمة ، والسّكوتي يسمّى رخصة.
وقول المجتهدين فيه للاستغراق ، فيقضي أنه لا بدّ من الكلّ ، فخرج به أمران : اتفاق العوام ؛ إذ لا عبرة به على التّحقيق ، واتّفاق بعض المجتهدين مع مخالفة الآخرين. ـ