يستعيذ من الشيطان ؛ لئلّا يحمله الشيطان بعد القراءة](١) على عمل محبط ثواب تلك الطّاعة.
قالوا : ولا يجوز أن يكون المراد من قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي : إذا أردت قراءة القرآن ؛ كما في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦].
والمعنى : إذا أردتم القيام فتوضّئوا ؛ لأنه لم يقل : فإذا صلّيتم فاغسلوا ؛ فيكون نظير قوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) وإن سلّمنا كون هذه الآية نظير تلك ، فنقول : نعم ، إذا قام يغسل عقيب قيامه إلى الصّلاة ؛ لأنّ الأمر إنّما ورد بالغسل عقيب قيامه ، وأيضا : فالإجماع (٢) دلّ على ترك هذا الظّاهر ، وإذا ترك الظاهر في موضع لدليل ، لا يوجب تركه في سائر المواضع لغير دليل.
__________________
(١) في أ : أن يستعيذ بعد القراءة.
(٢) الإجماع في اللغة على معنيين : أحدهما : العزم ، يقال : أجمعت المسير والأمر ، وأجمعت عليه أي : عزمت ، فهو يتعدّى بنفسه وبالحرف ، وقد جاء بهذا المعنى في الكتاب ، والسنّة ، قال تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) [يونس : ٧١] أي : اعزموا ، وقال ـ صلىاللهعليهوسلم : «من لم يجمع الصّيام قبل الفجر ، فلا صيام له» ، أي : لم يعزم عليه فينويه.
ثانيهما : الاتّفاق : ومنه يقال : أجمع القوم على كذا ، إذا اتّفقوا ، قال في القاموس : «الإجماع : الاتّفاق ، والعزم على الأمر».
قال الغزاليّ والإمام الرازيّ والآمديّ والعضد وغيرهم : الإجماع لغة : يقال بالاشتراك اللّفظيّ على معنيين : أحدهما : العزم على الشّيء والتّصميم عليه ؛ قال الله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)[يوسف : ١٥] وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا صيام لمن لم يجمع الصّيام من اللّيل» ، وعلى هذا يصحّ إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد.
والثاني : الاتّفاق : يقال : أجمع القوم على كذا ، أي : صاروا ذوي جمع كما يقال : ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر ، وعلى هذا فاتّفاق كلّ طائفة على أمر من الأمور دينيّا كان أو دنيويا ، يسمّى إجماعا ؛ حتّى اتفاق اليهود والنّصارى ، وقال صاحب «المسلّم من المسلّم» ، وحاشيته : وهو لغة : العزم والاتّفاق وكلامه من الجمع ، أي : منقول ، ومأخوذ منه ، لأن العزم باجتماع الخواطر ، والاتفاق باجتماع الأعزام ، وفيه ردّ على شارح المختصر ، حيث قال : الإجماع لغة يطلق على معنيين : أحدهما : العزم ، (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) ، أي : اعزموا ، ومنه : «لا صيام لمن لم يجمع الصّيام من اللّيل».
وثانيهما : الاتّفاق ، وحقيقة : أجمع ، صار ذا جمع ، كألبن وأتمر ، وكلامه يفيد أنّ الإجماع مشترك معنويّ موضوع لصيرورة المرء ذا جمع ، الشّاملة لصيرورته ذا جمع لخواطره ، وصيرورته ذا جمع لعزمه أو رأيه مع أعزام القوم أو آرائهم. وقال القاضي أبو بكر الباقلانيّ : العزم يرجع إلى الاتّفاق ؛ لأنّ من اتّفق على شيء ، فقد عزم عليه ، وعلى هذا يكون العزم لازما للاتّفاق ، فالإجماع عنده حقيقة في الاتّفاق مجاز في العزم.
وقال ابن أمير حاج صاحب «التقرير» : لقائل أن يقول : المعنى الأصليّ له العزم ، وأما الاتّفاق فلازم اتفاقيّ ضروريّ للعزم من أكثر من واحد ، لأنّ اتّحاد متعلّق عزم الجماعة يوجب اتّفاقهم عليه ، لا أنّ العزم يرجع إلى الاتفاق ؛ لأن من اتفق على شيء ، فقد عزم عليه ، كما ذكره القاضي ، فإنّه ليس ـ