وقوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤].
هذا إذا جعلنا في «ضربا» ضميرا مستترا ؛ وأما من يقول من النحويّين : إنّه لا يتحمل ضميرا ألبتة ؛ فلا يكون من المسألة في شيء.
والضّابط فيما يجب استتاره ، وإن عرف من تعداد الصّور المتقدمة ـ «أنّ كلّ ضمير لا يحلّ محلّه ظاهر ، ولا ضمير متصل ، فهو واجب الاستتار كالمواضع المتقدمة ، وما جاز أن يحلّ محلّه أحدهما ، فهو جائز الاستتار ؛ نحو : «زيد قام» في «قام» ضمير جائز الاستتار ، ويحلّ محلّه الظاهر ؛ نحو : «زيد قام أبوه» أو الضمير المنفصل ، نحو : «زيد ما قام إلّا هو» فإن وجد من لسانهم في أحد المواضع المتقدّمة ، الواجب فيها الاستتار ضمير منفصل ، فليعتقد كونه توكيدا للضمير المستتر ؛ كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥] ف «أنت» مؤكّد لفاعل «اسكن».
و «بالله» جارّ ومجرور ، وكذلك : «من الشّيطان» وهما متعلّقان ب «أعوذ».
ومعنى الباء : الاستعانة ، و «من» : للتّعليل ، أي : أعوذ مستعينا بالله من أجل الشّيطان ، ويجوز أن تكون «من» لابتداء الغاية ، ولها معان أخر ستأتي إن شاء الله تعالى.
وأمّا الكلام على الجلالة ، فيأتي في البسملة إن شاء الله تعالى.
والشّيطان : المتمرّد من الجنّ ، وقيل : الشّياطين أقوى من الجنّ ، والمردة أقوى من الشّياطين ، والعفريت أقوى من المردة ، والعفاريث أقواها.
وقال أبو عبيدة (١) ـ رحمهالله ـ : الشيطان : اسم لكلّ عارم من الجنّ ، والإنس ، والحيوانات ؛ [لبعده](٢) من الرّشاد قال تبارك وتعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] ، فجعل من الإنس شياطين.
__________________
ـ ٣٧٢ ، وللأعشى أو للأحوص أو لجرير ، ينظر المقاصد النحوية : ٣ / ٤٦ ، وهما في ملحق ديوان الأحوص : ص ٢١٥ ، وملحق ديوان جرير : ص ١٠٢١ ، والكتاب : ١ / ١١٥ ، ولسان العرب : (خشف) ، (ندل) ، وأوضح المسالك : ٢ / ٢١٨ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٠٤ ، وشرح التصريح : ١ / ٣٣١ ، وشرح ابن عقيل : ص ٢٨٩ ، والخصائص : ١ / ١٢٠ ، وجمهرة اللغة : ص ٦٨٢ ؛ والإنصاف : ص ٢٩٣ ، وسر صناعة الإعراب : ص ٥٠٧ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ١ / ١٠٨ ، وشرح شواهد الألفية : ١٦٤ ، والدر المصون ١ / ٤٨.
(١) معمر بن المثنى التيمي البصري ، أبو عبيدة النحوي : من أئمة العلم بالأدب واللغة ، ولد في ١١٠ ه. قال الجاحظ : لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه ، كان إباضيّا شعوبيا ، من حفاظ الحديث ، لما مات لم يحضر جنازته أحد ، لشدة نقده معاصريه. له مؤلفات منها مجاز القرآن ، الشوارد ، الزرع. توفي ٢٠٩ ه.
ينظر وفيات : ٢ / ١٠٥ ، وتذكرة : ١ / ٣٣٨ وبغية الوعاة : ٣٩٥ ، والأعلام : ٧ / ٢٧٢.
(٢) سقط في أ.