وقال آخر : [الخفيف]
٤ ـ أيّما شاطن عصاه عكاه |
|
ثمّ يلقى في السّجن والأكبال (١) |
وحكى سيبويه (٢) ـ رحمهالله ـ : «تشيطن» أي : فعل فعل الشّياطين ؛ فهذا كلّه يدل على أنه من «شطن» ؛ لثبوت النون ، وسقوط الألف في تصاريف الكلمة ، ووزنه على هذا : «فيعال».
وقيل : هو مشتقّ من «شاط ـ يشيط» أي : هاج ، واحترق ، ولا شكّ أن هذا المعنى موجود فيه ، فأخذوا بذلك أنه مشتقّ من هذه المادّة ؛ لكن لم يسمع في تصاريفه إلّا ثابت النّون ، محذوف الألف ؛ كما تقدم ، ووزنه على هذا «فعلان» ، ويترتب على القولين : صرفه وعدم صرفه ، إذا سمّي به ، وأما إذا لم يسمّ به ، فإنّه متصرف ألبتة ؛ لأنّ من شرط امتناع «فعلان» الصّفة ألّا يؤنّث بالتاء ، وهذا يؤنّث بها ؛ قالوا : «شيطانة».
قال ابن الخطيب : و «الشّيطان» مبالغة في الشّيطنة ؛ كما أنّ «الرّحمن» مبالغة في الرحمة. و «الرّجيم» في حقّ الشيطان «فعيل» بمعنى «فاعل».
إذا عرفت هذا ، فهذه الكلمة تقتضي الفرار من الشّيطان الرّجيم إلى الرحمن الرّحيم.
قوله : «الرّجيم» نعت له على الذّمّ ، وفائدة النعت : إما إزالة اشتراك عارض في معرفة ؛ نحو : «رأيت زيدا العاقل».
وإمّا تخصيص نكرة ؛ نحو : «رأيت رجلا تاجرا» وإمّا لمجرد مدح ، أو ذمّ ، أو ترحّم ؛ نحو : «مررت بزيد المسكين» وقد يأتي لمجرد التّوكيد ؛ نحو قوله : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] ولا بدّ من ذكر قاعدة في النعت ، تعمّ فائدتها :
اعلم أن النعت إن كان مشتقا بقياس ، وكان معناه لمتبوعه ، لزم أن يوافقه في أربعة من عشرة ؛ أعني في واحد من ألقاب الإعراب : الرفع ، والنّصب ، والجرّ ، وفي واحد من : الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، وفي واحد من : التّذكير ، والتأنيث ، وفي واحد من : التّعريف ، والتّنكير.
__________________
(١) البيت لأمية بن أبي الصلت : ينظر ديوانه (٥١) ، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن : (٧) ، ومجمع البيان : ١ / ٣٨ ، واللسان : «شطن» ، والصحاح : «شطن» ، والطبري : ١ / ٧٦ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٥٩ ، والدر المصون : ١ / ٤٨.
(٢) عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ، أبو بشر ، الملقب سيبويه : إمام النحاة ، وأول من بسط علم النحو ، ولد في إحدى قرى «شيراز» ، وقدم البصرة ، فلزم الخليل بن أحمد ففاقه ، وصنف كتابه المسمى : «كتاب سيبويه» ، من النحو لم يصنع قبله ولا بعده مثله ، ناظر الكسائي ، وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم ، كان أنيقا جميلا توفي شابا ، ولد سنة ١٤٨ ه وتوفي سنة ١٨٠ ه.
انظر ابن خلكان : ١ / ٣٨٥ ، والبداية والنهاية : ١٠ / ١٧٦ ، والأعلام : ٥ / ٨١.