قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤)
قوله : (فَذَكِّرْ) أي : عظهم يا محمد وخوفهم.
(إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) : واعظ.
(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي بمسلّط فتقتلهم ، ثم نسختها آية السيف.
وقرأ العامة : «بمصيطر» بالصّاد.
وهشام (١) : بالسّين.
وخلف : بإشمام الصاد زايا بلا خلاف.
وعن خلّاد : وجهان.
وقرأ هارون الأعور : «بمصيطر» ـ بفتح الطاء ـ اسم مفعول ، لأن «سيطر» عندهم متعدّ.
[ويدل على ذلك فعل المطاوعة ، وهو تسيطر ، ولم يجىء اسم فاعل على مفعل إلا مسيطر ، ومبيقر ، ومهيمن ، ومبيطر ؛ من سيطر ، وبيقر ، وهيمن ، وبيطر ، وقد جاء مجيمر اسم واد ، ومديبر ، ويمكن أن يكون أصلهما مجمر ومدبر ، فصغرا.
قال شهاب الدين (٢) : قد تقدم أن بعضهم جعل مهيمنا مصغرا ، وتقدم أنه خطأ عظيم ، وذلك في سورة المائدة](٣).
قال القرطبيّ (٤) : «وفي الصحاح (٥) : المسيطر والمصيطر : المسلط على الشيء ، ليشرف عليه ويتعهّد أحواله ، ويكتب عمله ، وأصله من السطر ؛ لأن معنى السطر ألّا يتجاوز ، فالكتاب مسطر ، والذي يفعله مسطر ومسيطر ، يقال : سيطرت علينا ، وقال تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ، وسطره أي : صرعه».
قوله : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) استثناء منقطع ، أي : لكن من تولّى عن الوعظ والتذكر ، فيعذبه الله العذاب الأكبر ، وهو جهنم الدائم عذابها ، وإنما قال : «الأكبر» ؛ لأنهم عذّبوا في الدنيا بالجوع ، والقحط ، والأسر ، والقتل ، ويؤيد هذا التأويل : قراءة (٦) ابن مسعود : «إلا من تولّى وكفر فإنّه يعذّبه الله».
__________________
(١) ينظر قراءات هذه الكلمة في : السبعة ٦٨٢ ، والحجة ٦ / ٤٠٠ ـ ٤٠١ وإعراب القراءات ٢ / ٤٧٠ ، والمحرز الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والقرطبي ٢٠ / ٢٦.
(٢) الدر المصون ٦ / ٥١٤.
(٣) سقط من ب.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٢٦.
(٥) الصحاح ٢ / ٦٨٤.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٥ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥.