ثمّ لا يتوهّم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه ، لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال. فإنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير ، بل المراد نقض ما كان على يقين منه ، وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين.
والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين ، إذ لو فرضنا حكما شرعيّا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشكّ قطعا ، كمن نذر فعلا في مدّة اليقين بحياة زيد ، بل المراد أحكام المتيقّن المثبتة له من جهة اليقين. وهذه الأحكام كنفس المتيقّن ـ أيضا ـ لها استمرار شأني لا يرتفع إلّا بالرافع. فإنّ جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستقرّ إلى أن يحدث ناقضها.
____________________________________
(ثمّ لا يتوهّم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه).
وحاصل التوهّم : إنّ حمل النقض بمعنى رفع الأمر الثابت وإن كان أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي ، إلّا أنّه لا يتمّ إلّا بجعل اليقين بمعنى المتيقّن ، لأنّ الأمر الثابت هو المتيقّن كالطهارة لا نفس اليقين ، فيكون معنى قوله عليهالسلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) : لا ترفع المتيقّن الذي هو أمر ثابت ، وهذا بخلاف حمل النقض بالمعنى الثالث وهو رفع اليد عن الشيء ، إذ يمكن رفع اليد عن اليقين من دون حاجة إلى التصرّف المذكور.
فالأولى ـ حينئذ ـ اختيار المعنى الثالث لئلّا يحتاج إلى التصرّف في لفظ اليقين.
وحاصل الدفع : إنّ نسبة النقض إلى نفس اليقين فاسد على كلّ حال ، وذلك لأنّ اليقين يرتفع قهرا بعروض الشكّ ـ فليس نقضه في اختيار المكلّف حتى ينهى عنه الشارع ، فلا بدّ من التصرّف في اليقين ـ حينئذ ـ سواء اريد من النقض المعنى الثاني أو المعنى الثالث.
(بل المراد نقض ما كان على يقين منه ، وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين) كجواز الدخول في الصلاة في مورد سبق اليقين بالطهارة مثلا.
(والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين).
وذلك لأنّ الحكم المتعلّق على صفة اليقين ينتفي بانتفاء المتعلّق والموضوع ، مثل من نذر اعطاء درهم للفقير في كلّ يوم ما دام متيقّنا بحياة ولده ، فبالشكّ فيها يرتفع موضوع وجوب الدراهم ولا ينفع فيه الاستصحاب.
(بل المراد أحكام المتيقّن المثبتة له من جهة اليقين).