فلا يتوجه عليه الاعتراض بأنّ جلّ الواجبات لو لا الكلّ يلزم أن يكون من الواجبات الغيريّة ، فإنّ (١) المطلوب النفسيّ قلّ ما يوجد في الأوامر ، فإنّ جلّها (٢) مطلوبات لأجل الغايات الّتي هي خارجة عن حقيقتها ، فتأمّل (٣).
______________________________________________________
كالمقدّمة. فإن كان كذلك ، فلا يرد عليه الاعتراض المذكور ، لأنّ كون الواجبات النفسيّة مطلوبات للغايات المترتّبة عليها لا ينافي انطباق عنوان حسن عليها موجب لكون طلبها نفسيا.
(١) هذا تقريب الاعتراض ، وهو : اندراج جلّ الواجبات النفسيّة في الواجبات الغيريّة ، حيث إنّ أكثر الواجبات مطلوبات لأجل الغايات المترتّبة عليها ، فيلزم أن تكون واجبات غيريّة. بخلاف ما إذا أريد من التفسير ب : «ما امر به لنفسه» ما ذكرناه : من كون الوجوب عارضا لعنوان حسن في نفس الواجب ، فإنّه لا يرد حينئذ الاعتراض المزبور ، إذ لو أريد من التفسير المتقدّم وجوبه لنفسه ـ أي بدون غاية ـ نظير وجوب المعرفة بالله تعالى على ما مرّ ، لزم اندراج جلّ الواجبات النفسيّة المشتملة على غايات في الواجبات الغيريّة. بخلاف ما إذا أريد به ما يكون وجوبه لحسن ذاته ، فإنّه حيث لا ينافي ذلك كونه مقدمة لغاية مطلوبة ، فيكون واجبا نفسيّا أيضا.
وبالجملة : فكون كثير من الواجبات غيريّة بلحاظ كونها مطلوبة لأجل الغايات الّتي هي خارجة عن حقيقتها لا ينافي كونها واجبات نفسيّة أيضا ، لحسن في ذاتها ، فلم يلزم اندراج الواجبات النفسيّة في الواجبات الغيريّة.
(٢) أي : الواجبات ، وهذا بيان لكون المطلوب النّفسي قليلا في الأوامر.
(٣) لعلّه إشارة إلى : أنّ تفسير الواجب النفسيّ بـ «ما وجب لعنوان حسن يستقل به العقل» لا يخلو من تكلّف ، إذ لا حسن في بعضها مع كونه واجبا نفسيّا ، بل الوجوب يكون لما في الواجب من الفوائد ، كدفن الميّت ، فإنّ وجوبه ليس لحسنه في نفسه مع الغضّ عن الفوائد المترتّبة عليه ، بل وجوبه إنّما هو لترتب تلك الفوائد من كتم رائحته المؤذية وغيره عليه.
وبالجملة : فتفسير الواجب النفسيّ بما وجب لحسنه العقلي غير وجيه.