لا يقال (١) : كيف ولا يكاد يكون فعل إلّا عن مقدّمة لا محالة معها (٢) يوجد ، ضرورة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
فإنّه يقال (٣) : نعم
______________________________________________________
(١) هذا اعتراض على قوله : «فلو لم يكن للحرام مقدّمة ... إلخ».
ومحصل الاعتراض : أنّه كيف يمكن وجود فعل في الخارج بدون مقدّمة وعلّة ، مع بداهة أنّ الشيء ما لم يجب وجوده من ناحية علّته يمتنع أن يوجد في الخارج ، ولذا قيل : «إنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وإنّ كلّ شيء محفوف بضرورتين : إحداهما سابقة ، وهي ضرورة وجوده من ناحية وجود علته ، والأخرى لاحقة ، وهي ضرورته بشرط وجوده» ، كما قيل :
«فبالضرورتين حفّ الممكن»
وبالجملة : فوجود الحرام بدون مقدّمة وعلّة ممتنع.
(٢) أي : مع المقدّمة يوجد ، لأنّ الشيء لا يوجد إلّا بوجود علّته.
(٣) هذا دفع الاعتراض المزبور ، وحاصله : أنّه لا إشكال في احتياج كلّ فعل إلى العلّة التامّة ، وبدونها يمتنع وجوده ، لكن أجزاء العلّة على قسمين :
أحدهما : أن تكون بأسرها أفعالا اختياريّة ، كتيبيس الحطب ، وإلقائه في النار.
والآخر : أن تكون مركّبة من الفعل الاختياري وغيره ، كالإرادة الّتي هي غير اختياريّة.
فعلى الأوّل : لا مانع من اتّصاف جميع أجزاء العلّة بالحكم الشرعي ، فلو كان المعلول حراما اتّصف علّته التامّة بالحرمة.
وعلى الثاني : لا يتّصف شيء من أجزاء العلّة بالحرمة. أمّا غير الإرادة من المقدّمات الّتي هي أفعال اختيارية ، فلعدم توقف وجود الحرام عليه ، إذ المفروض قدرة المكلّف على ترك الحرام قبل إيجاد هذه المقدّمة وبعده ، فلا يترتّب عليها الحرام حتى تتصف بالحرمة المقدّميّة. وأمّا الإرادة ، فلعدم كونها اختياريّة ، وإلّا توقّفت على إرادة أخرى ، وهكذا ، فيلزم التسلسل.