أن يجرى مجرى الفعل في وقوعه أول الكلام والابتداء به ، فلا بد من دليل آخر يدلّ على ذلك.
وأما ما أجازه أهل الكوفة من الابتداء بالنكرة إذا كانت خلفا فحسن جدا.
وينبغي عندي أن يزاد في شروط الابتداء بالنكرة أن يكون الموضع موضع تفصيل ، نحو قوله [من الطويل] :
٢٢٧ ـ [إذا ما بكى من خلفها انصرفت له] |
|
بشقّ وشقّ عندنا لم يحوّل |
فـ «شقّ» الثاني مبتدأ ، و «عندنا» في موضع الخبر ، و «لم يحوّل» خبر ثان في معنى الأول. فإنّما جاز الابتداء بـ «شقّ» الثاني وإن كان نكرة ، للتفصيل ، لأنّه في تقدير : والشقّ الآخر عندنا. فإن قيل : فلم لا يكون «شق» مبتدأ و «عندنا» في موضع الصفة ولم يحوّل في موضع الخبر ، ولا يحتاج إلى إثبات الابتداء بالنكرة في موضع التفصيل؟ فالجواب : إنّ ذلك لا يجوز لأنّ الخبر ينبغي أن يعطي ما لا يعطيه المبتدأ ، وأنت إذا جعلت و «شقّ عندنا» مبتدأ
______________________
٢٢٧ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣١٦.
اللغة : انصرفت : انحرفت ومالت. الشقّ : النصف من كلّ شيء. يحوّل : ينتقل عن موضعه.
المعنى : يتابع وصف مغامراته العاطفية ، فيقول إنه لها بامرأة مرضع ، بكى رضيعها فمالت إليه بنصفها ترضعه ، وبقيت له بنصفها الثاني الذي لم يغيّر موضعه.
الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب متضمن معنى الشرط متعلق بالفعل (انصرفت). ما بكى : «ما» : زائدة ، «بكى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). من خلفها : جار ومجرور متعلّقان بـ (بكى) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. انصرفت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). له : جار ومجرور متعلّقان بـ (انصرفت). بشق : جار ومجرور متعلّقان بـ (انصرفت). وشق : «الواو» : حالية ، «شق» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. عندنا : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، والظرف متعلّق بالخبر المحذوف ، وهو الخبر على رأي من يجيزون وقوع الظرف والجار والمجرور خبرا. لم يحوّل : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «يحوّل» : فعل مضارع للمجهول مجزوم ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره : (هو).
وجملة «إذا ما بكى ... انصرفت» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «بكى» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «انصرفت له» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «شق عندنا» : في محلّ نصب حال. وجملة «لم يحوّل» : في محل رفع خبر ثان لـ (شق).
والشاهد فيه قوله : «وشق عندنا» حيث جاء المبتدأ نكرة ، وسوّغ الابتداء بها أنها جاءت للتفصيل.