المعنى أعظم حرمة من اللفظ ، لأن اللفظ إنّما هو خديم المعنى ، ولأنّه إنّما أتي به من أجله.
والناقصة تنقسم قسمين : فأحدهما أن تدخل على المبتدأ والخبر فيبقيا على إعرابهما ويكون في «كان» إذ ذاك ضمير الأمر والشأن أو القصة ، وتكون الجملة في موضع الخبر وذلك ، نحو : «كان زيد قائم» ، فاسم «كان» ضمير الأمر والشأن ، و «زيد قائم» في موضع الخبر ، وتقول : «كانت هند قائمة» ، إذا جعلت الضمير للقصة ، فكأنك قلت : «كانت القصة هند قائمة» ، وكذلك «كانت زيد قائم». هذا مذهب أهل البصرة ، أعني أنه يجوز أن يجعل الضمير للأمر فلا تلحق علامة التأنيث أو للقصة فتلحق علامة التأنيث ، كان المخبر عنه مذكرا أو مؤنثا.
وزعم أهل الكوفة أنّ المخبر عنه إذا كان مذكّرا فالضمير ضمير أمر ، وإن كان مؤنثا فالضمير ضمير قصة ، فتقول : «كان زيد قائم» ، و «كانت هند قائمة» للمشاكلة ، ولا يقال عندهم : «كانت زيد قائم» ، ولا «كان هند قائمة».
وهذا الذي منعوه جائز في القياس ، وقد ورد به السماع أيضا ، وذلك في قراءة من قرأ : (أولم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) (١). ألا ترى أنّ «آية» خبر مقدم لـ «أن يعلمه» و «أن يعلمه» في موضع اسم مبتدأ وهو مذكر ، والضمير في «تكن» ضمير قصة.
فإن قيل : فلعل «آية» اسم «يكن» و «أن يعلمه» في موضع الخبر. فالجواب : أنّ ذلك باطل لأنّه قد تقدم أنّ «أن» وما بعدها محكوم لها بحكم أعرف المعارف ، وهو المضمر ، فلو جعلناه خبرا لـ «يكن» لكان من قبيل ما أخبر فيه بالمعرفة عن النكرة ، وذلك من أقبح الضرائر.
والآخر : أن تدخل على المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ على أنّه اسمها وتنصب الخبر على أنّه خبرها ، وذلك نحو : «كان زيد قائما».
______________________
(١) الشعراء : ١٩٧.
جمل الزجاجي / ج ١ / م ٢٦