فتحت «إنّ» بعدها ، فتقول : «أما أنّك منطلق» ، كما تقول : «أحقّا أنّك منطلق»؟ لأن «إنّ» إذ ذاك مع معموليها في موضع اسم مبتدأ والخبر في قولك : «أحقّا» ، وفي قوله : «أما» الذي هو بمعنى حقّا ، ويكون انتصابهما على الظرفية ، كأنّه قال : أفي حقّ أنّك منطلق ، أي : ممّا أحقّقه انطلاقك. والموضع الذي تفتح فيه ما بقي.
فإن قيل : فمتى يكون القول بمنزلة الظن ومتى لا يكون كذلك؟
فالجواب أن تقول : إنّ القول يجريه بنو سليم مجرى الظن من غير شرط ، وأما غير بني سليم فلا يجرونه مجرى الظنّ إلّا بأربعة شروط :
أحدها : أن يكون الفعل مضارعا.
والآخر : أن يكون لمخاطب.
والآخر : أن يكون قد تقدّمته أداة استفهام.
والرابع : أن لا يفصل بينه وبين أداة الاستفهام إلّا بالظرف والمجرور ، فإنّه لا يعتدّ بهما ، فكأنّه لم يقع فصل ، نحو : «أتقول أنّ زيدا منطلق» ، فتفتح «إنّ» كما تفتح بعد الظن ، ومن ذلك قوله [من الكامل] :
٣١٨ ـ أمّا الرحيل فدون بعد غد |
|
فمتى تقول الدار تجمعنا |
______________________
٣١٨ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٤٠٢ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٤٣٩ ، ٩ / ١٨٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٧٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٧٨ ، ٨٠ ؛ والكتاب ١ / ١٢٤ ؛ ولسان العرب ١١ / ٥٧٥ (قول) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ٤٣٤ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٥٧ ؛ ورصف المباني ص ٨٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٦٢ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢٧٩ (رحل) ، ١٢ / ٢٦٦ (زعم) ؛ والمقتضب ٢ / ٣٤٩.
المعنى : يقول : إن الرحيل محتّم اليوم أو غدا ، فمتى يا ترى تجمعنا دار واحدة؟
الإعراب : «أمّا» : حرف شرط وتأكيد. «الرحيل» : مبتدأ مرفوع. «فدون» : الفاء رابطة جواب «أما» ، «دون» : ظرف متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ. «بعد» : مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ، وهو مضاف. «غد» : مضاف إليه مجرور. «فمتى» : الفاء حرف استئناف ، «متى» : اسم استفهام مبني في محلّ نصب على الظرفية ، متعلّق بـ «تجمع». «تقول» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنت». «الدار» : مفعول به أول منصوب. «تجمعنا» : فعل مضارع مرفوع ، و «نا» ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». ـ