ويمكن أيضا أن يريد أنّ هذه الأشياء التي يفتخر بها هي وإن كانت قد وقعت كثيرا من المفتخر ، فإنّها بالنظر إلى شرف هذا المفتخر وجلالته قليلة.
فإن قيل : ولعلّ هذا المقصود بـ «ربّ» إنّما هو المباهاة والافتخار وانجرّ التقليل إذ لا يتصور الافتخار إلّا بما يقلّ نظيره كما ذكرنا ، فالجواب أن تقول : الذي يدل على أنّ «ربّ» إنّما وقعت للمباهاة من حيث يكون فيها التقليل أنّ «ربّ» إذا كانت لغير مباهاة وافتخار إنّما تكون للتقليل في كلامهم ، فوجب فيها إذا كانت للافتخار أن تكون على حسبها إذا كانت لغير افتخار من إرادة التقليل بها.
وأيضا فإن المفرد بعد «ربّ» يكون في معنى جمع ، ألا ترى أن قوله [من الطويل] :
فيا رب يوم قد لهوت وليلة |
|
... (١) |
لم يرد بيوم وليلة واحدا بل المراد أيام وليال ، والمفرد لا يكون في معنى جمع إلا إذا اقترن به لفظ عموم ، نحو : «كلّ رجل» ، أو يقع تمييزا في نحو : «عشرين رجلا» ، أو في نفي ، نحو : «ما قام رجل» ، أو في تقليل ، نحو : «قلّ رجل يقول ذلك إلّا زيد» ، ألا ترى أنّ «رجلا» في : «قلّ رجل» ، يراد به العموم ولو لا ذلك لما ساغ الاستثناء منه ، فلو لا أنّ «ربّ» للتقليل لما كان المفرد بعدها في معنى جمع.
قال أبو العباس المبرد : النحويون كالمجمعين على أنّ «ربّ» جواب لكلام متقدم ، فإذا قلت : «ربّ رجل عالم لقيت» ، هو جواب لمن قال : هل لقيت رجلا عالما؟ أو من قدّر سؤاله كذلك ، فتقول له : «رب رجل عالم لقيت» ، أي : لقيت من جنس الرجال العلماء. إلا أن ذلك ليس بالكثير. والدليل على أنّ «ربّ» جواب أنّ واو «ربّ» عاطفة نائبة عن «ربّ» ، بدليل أنّها لا يدخل عليها حرف عطف ، لا تقول : «ربّ رجل وثم امرأة» ، فإذا تبيّن أنّها
______________________
ـ وجملة «كررت» : في محلّ رفع خبر. وجملة «رب مكروب كررت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فككت» : في محل رفع خبر. وجملة «وعان فككت» : معطوفة على الابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ففداني» : معطوفة على جملة «فككت عنه الغل».
والشاهد فيه قوله : «رب» حيث جاءت للتكثير وللمبالغة.
(١) تقدم بالرقم ٣٥٤.