وفيه (١) : أنّها معارضة بأصالة براءة
______________________________________________________
(١) هذا هو المطلب الثاني ، أعني به مناقشة المصنف في دليل القائل ببقاء الإباحة عند تلف إحدى العينين. توضيحه : أنّ أصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة التي هي سند أصالة عدم اللزوم ـ المقتضية لجواز الرجوع إلى العين الموجودة ـ معارضة بأصالة براءة ذمة من تلف عنده مال صاحبه عن مثله أو قيمته ، وبسقوطها بالمعارضة لا يبقى دليل على بقاء الإباحة. مثلا إذا كانت المعاوضة بين كتاب زيد ودينار عمرو ، وتلف الكتاب عند عمرو وبقي الدينار عند زيد ، فصاحب العين الموجودة ـ وهو الدينار ـ مسلّط على أخذها من زيد مع عدم ضمانه لبدل الكتاب لزيد.
فإن قلت : لا معارضة بين أصالة براءة ذمة مالك الدينار عن بدل الكتاب ، وبين أصالة بقاء سلطنته على أخذ الدينار من زيد ، لعدم التنافي بينهما ، وعليه يمكن الجمع بين جواز استرداد الدينار وبين عدم ضمانه لبدل الكتاب ، ولا يسقط استصحاب السلطنة بالمعارضة.
قلت : المعارضة بين الحجتين تكون تارة بالذات كما في المتباينين والعامّين من وجه. وأخرى بالعرض أي بواسطة دليل ثالث ، ومثّلوا له بالخبرين الدال أحدهما على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ، والآخر على وجوب صلاة الجمعة ، إذ لا منافاة بين الدليلين بلحاظ المدلول المطابقي والتضمني ، إلّا أنّ الإجماع على عدم وجوب فريضتين قبل صلاة العصر يوجب التنافي بين الخبرين ، فيعلم إجمالا بكذب أحدهما.
والمقام من هذا القبيل ، فإنّ أصالة بقاء سلطنة المالك تقتضي جواز استرداد الدينار شرعا ، والرجوع ملازم لضمان بدل التالف من المثل أو القيمة ، فالمعارضة بين أصالة بقاء السلطنة وبين أصالة براءة الذمة تكون بملاحظة الملازمة بين جواز الرجوع واستلزامه لضمان التالف.
والوجه في الملازمة أمّا القطع بعدم مجانية التالف ، وإمّا لما حكي عن بعض تلامذة المصنف من الإجماع المركب على التلازم بين جواز رجوع مالك العين الباقية وجواز رجوع مالك العين التالفة ببدلها.