القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ (١) ولا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه ، وإنّما هو على سبيل الفرض والتنزيل ، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب ، والموجب مناولا ، كما يقول السائل في مقام الإنشاء : أنا راض بما تعطيني ، وقابل لما تمنحني ، فهو متناول قدّم (٢) إنشاءه أو أخّر. فعلى هذا (٣) يصح تقديم القبول ولو بلفظ قبلت ورضيت إن لم يقم إجماع (٤) على خلافه» انتهى.
______________________________________________________
وأمّا عدم لزوم التقدم في القسم الثالث ـ وهو تبعية القبول للإيجاب ـ فلأنّ القابل يفرض نفسه متناولا لما يأخذه من الموجب ، والموجب يفرض نفسه مناولا لما يأخذه القابل ، وإلّا فكلّ منهما يعطي شيئا ويأخذ بدله.
وحيث كانت تبعية القابل للموجب بالتنزيل والادّعاء ـ لا بالحقيقة ـ أمكن تقدم إنشاء الرّضا بالإيجاب قبل تحققه خارجا. ونظيره إنشاء السائل رضاه بما سيعطيه المسؤول ، فهو يفرض نفسه متناولا قبل أن يناوله المسؤول مالا.
ونتيجة هذا البيان : جواز تقديم القبول على الإيجاب ، إذ ليس الإيجاب أصلا حقيقة والقبول فرعا كذلك حتى يمتنع تقدم الفرع على الأصل ، إذ الفرعية تكون بمحض الفرض والتنزيل ، هذا.
(١) قد عرفت آنفا تبعية اللفظ للفظ ، والقصد للقصد ، فإذا كانت التبعية حقيقيّة تعيّن تأخر التابع عن متبوعة.
(٢) أي : سواء قدّم السائل إنشاء رضاه بما يعطيه المسؤول أم أخّره ، فكما أنّ تقديمه لا يصيّره مناولا ومعطيا حقيقية بل هو متناول ، فكذا في عقد البيع ، فلو تقدّم القبول لم يصر القابل مناولا ، بل هو متناول على كل حال ، والمناول هو الموجب.
(٣) أي : بناء على كون تبعية القبول للإيجاب فرضيّة ـ لا حقيقية ـ يصح تقديم القبول حتى إذا كان بلفظ «قبلت» إلّا إذا منع من تقديمه الدليل التعبدي كالإجماع.
(٤) يعني : فالاستدلال بفرعية القبول باطل ، إذ لا أصل ولا فرع حقيقة. وعليه فالمعوّل في منع تقديم القبول هو الإجماع لو تمّ.