لو لا أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ وفّقنا للطاعات ، وأعاننا عليها ، وهدانا إليها ، وأزاح الأعذار عنا ، وإلّا لما وصلنا إلى شيء منها ، فظهر بهذا التقرير أنّ جميع النعم في الحقيقة من الله تعالى.
الفائدة الثّانية : اختلفوا [في أنه](١) هل لله ـ تعالى ـ نعمة على الكافر أم لا؟
فقال بعض أصحابنا : ليس لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة.
وقالت المعتزلة : لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة دينية ، ونعمة دنيوية.
واحتجّ الأصحاب على صحّة قولهم ، بالقرآن [الكريم](٢) ، والمعقول.
أما القرآن ؛ فقوله تبارك وتعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؛ وذلك لأنه لو كان لله على الكافر نعمة ، لكانوا داخلين تحت قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فيكون طلبا لصراط الكفّار ، وذلك باطل ، فثبت بهذه الآية أنه ليس لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة.
فإن قالوا : إنّ قوله : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يدفع ذلك.
قلنا : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بدل من قوله : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ؛ فكان التّقدير : «اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم» ، وحينئذ يعود المحذوف المذكور.
وقوله تبارك وتعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨].
وأما المعقول : فهو أنّ نعم الدنيا الفانية في مقابلة عذاب الآخرة على الدوام ، كالقطرة في البحر ، ومثل هذا لا يكون نعمة ، بدليل أنّ من جعل السّمّ في الحلوى لم يعد النفع الحاصل منه نعمة ؛ لأجل أن ذلك النفع حقير في مقابلة ذلك الضّرر الكبير (٣) ، فكذا ههنا.
وأما الّذين قالوا : إن لله على الكافر نعمة ، فقد احتجّوا بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) [البقرة : ٢١ ، ٢٢] ، على أنه يجب على الكلّ طاعة الله ـ تعالى ـ لأجل هذه النعم ، وإلّا لما كانت هذه النعم العظيمة معتبرة ؛ وقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، ذكر ذلك في معرض الامتنان ، وشرح النعم.
وقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٠].
وقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣].
وقول إبليس : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧].
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : الكثير.