وقيل : إن «غير» بدل من المضمر المجرور في «عليهم» ، وهذا يشكل على قول من يرى أن البدل يحل محلّ المبدل منه ، وينوى بالأول الطّرح ؛ إذ يلزم منه خلو الصّلة من العائد ، ألا ترى أن التقدير يصير : «صراط الذين أنعمت على غير المغضوب عليهم».
و «المغضوب» خفض بالإضافة ، وهو اسم مفعول ، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور ، ف «عليهم» الأولى منصوبة المحلّ ، والثانية مرفوعته ، و «أل» فيه موصولة ، والتقدير : «غير الذين غضب عليهم».
والصحيح في «أل» الموصولة أنها اسم لا حرف.
واعلم أن لفظ «غير» مفرد مذكر أبدا ، إلا أنه إن أريد به مؤنث جاز تأنيث فعله المسند إليه ، نقول : «قامت غيرك» ، وأنت تعني امرأة ، وهي في الأصل صفة بمعنى اسم الفاعل ، وهو مغاير ، ولذلك لا تتعرف بالإضافة ، وكذلك أخواتها ، أعني نحو : «مثل وشبه وشبيه وخدن وترب».
وقد يستثنى بها حملا على «إلّا» كما يوصف ب «إلّا» حملا عليها ، وقد يراد بها النفي ك «لا» ، فيجوز تقديم معمول معمولها عليها ، كما يجوز في «لا» تقول : «أنا زيدا غير ضارب» أي : غير ضارب زيدا ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]
٨٤ ـ إنّ امرءا خصّني عمدا مودّته |
|
على التّنائي لعندي غير مكفور (١) |
تقديره : غير مكفور عندي ، ولا يجوز ذلك فيها إذا كانت لغير النّفي.
لو قلت : «جاء القوم زيدا غير ضارب» ، تزيد : غير ضارب زيدا لم يجز ؛ لأنها ليست بمعنى «لا» التي يجوز فيها ذلك على الصّحيح من الأقوال في «لا».
وفيها قول ثان يمنع ذلك مطلقا.
وقول ثالث : يفصل بين أن تكون جواب قسم ، فيمتنع فيها ذلك ، وبين ألّا يكون فيجوز.
وهي من الألفاظ اللّازمة للإضافة لفظا وتقديرا ، فإدخال الألف واللام عليها خطأ.
واختلفوا هل يجوز دخول «أل» على «غير وبعض وكل» والصحيح جوازه.
قال البغوي ـ رحمهالله تعالى ـ : «غير» ها هنا بمعنى «لا» ، و «لا» بمعنى «غير» ، ولذلك جاز العطف عليها ، كما يقال : «فلان غير محسن ولا مجمل» ، فإذا كان «غير»
__________________
(١) البيت لأبي زبيد الطائي ينظر : الدرر : ٢ / ١٨٣ ، صناعة الإعراب : ١ / ٣٧٥ ، شرح أبيات سيبويه : ١ / ٤٣٢ ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٩٥٣ ، الكتاب : ٢ / ١٣٤ ، لسان العرب ، (خصص) ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٣٠ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٢٢٣ ، شرح المفصل : ٨ / ٦٥ ، مغني اللبيب : ٢ / ٦٧٦ ، الإنصاف : ١ / ٤٠٤ ، الهمع : ١ / ١٤٩ ، ٩٠٧ ، رصف المباني : ١٢٢ ، الدر : ١ / ٨٣.