أي : لم ينج بشيء ، ومنع أبو البقاء نصبه على الاستثناء ، كأنّه اعتبر مذهب جمهور البصريين.
و «الفسق» لغة : الخروج ، يقال : فسقت الرّطبة عن قشرها ، أي : خرجت ، والفأرة من جحرها.
و «الفاسق» : خارج عن طاعة الله ، يقال : فسق يفسق ويفسق بالضم والكسر في المضارح فسقا وفسوقا ، عن الأخفش ، فهو فاسق.
وزعم ابن الأعرابي ، أنّه لم يسمع في كلام الجاهلية ، ولا في شعرهم «فاسق» ، وهذا عجيب ، وهو كلام عربيّ حكاه عنه ابن فارس والجوهريّ ، وقد ذكر ابن الأنباريّ في كتاب «الزّاهر» لمّا تكلّم على معنى «الفسق» قول رؤبة : [الرجز]
٣٣٨ ـ يهوين في نجد وغورا غائرا |
|
فواسقا عن قصدها جوائرا (١) |
و «الفسيق» : الدائم الفسق ، ويقال في النداء : يا فاسق ويا خبيث ، يريد يا أيّها الفاسق ويا أيها الخبيث. والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عزوجل ، فقد يقع على من خرج بعصيان. واختلف أهل القبلة في أنّه مؤمن أو كافر.
فعند بعضهم أنّه مؤمن ، وعند الخوارج : أنّه كافر ، وعند المعتزلة : أنّه لا مؤمن ولا كافر.
واحتجّ الخوارج (٢) بقوله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [الحجرات : ١١].
__________________
(١) ينظر ملحق ديوانه : (١٩٠) والكتاب : (١ / ٤٩) ، الخصائص : (٢ / ٤٣٢) ، الشذور : (٣٣٤) ، الدر المصون : (١ / ١٦٨).
(٢) هم أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن اعتقادهم ، وحماسة لرأيهم ، وقد دفعهم التعصب لفكرتهم إلى الاستهداف للمخاطرة ، وقسوة القلب على من خالفهم.
وقد نشأت هذه الفرقة : بسبب الخلاف بين علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ ، وذلك أنه نشب القتال بينهما في موقعة «صفين» ، وطلب معاوية وصحبه تحكيم كتاب الله ؛ خوفا من الهزيمة ، واختلف أصحاب علي في إجابة طلب معاوية ، ثم كانت نهاية الجدل قبول التحكيم.
من مبادئهم :
١ ـ صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان في أول ولايته ، وكان يجب عزله عندما غير طريقة أبي بكر وعمر وقدم أقاربه.
٢ ـ صحة خلافة علي إلى وقت التحكيم ، ولما أخطأ كفّروه مع الحكمين.
٣ ـ الخلافة يجب أن تكون باختيار حر بين المسلمين ، سواء كان المختار قرشيا أو عبدا حبشيا ، وليس من حقه أن يتنازل أو يحكم ، وعليه أن يخضع تماما لأوامر الدين ، وإلا وجب عزله.
٤ ـ العمل جزء من الإيمان ؛ لأن الإيمان تصديق وعمل ، ومن عصى الله ، يكون كافرا ، والذنوب كلها كبائر.
٥ ـ وجوب الخروج على الإمام الجائر ، ولا يقولون بالتّقيّة مثل الشيعة. ينظر الملل والنحل : ١ / ١١٤.