و «الحكم» لغة : الإتقان ، والمنع من الخروج عن الإرادة ، ومنه حكمة الدابة ؛ وقال جرير : [الكامل]
٣٧٣ ـ أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم |
|
إنّي أخاف عليكم أن أغضبا (١) |
وقدم «العليم» على «الحكيم» ؛ لأنه هو المتّصل به في قوله : «وعلم» ، وقوله : (لا عِلْمَ لَنا) فناسب اتصاله به ؛ ولأن الحكمة ناشئة عن العلم وأثر له ، وكثيرا ما تقدّم صفة العلم عليها.
والحكيم صفة ذات إن فسر بذي الحكمة ، وصفة فعل إن فسر بأنه المحكم لصنعته فكأن الملائكة قالت : أنت العالم بكل المعلومات ، فأمكنك تعليم آدم ، وأنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه.
وعن «ابن عباس» أن مراد الملائكة من «الحكيم» أنه هو الذي حكم بجعل آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ خليفة في الأرض (٢).
فصل
احتج أهل الإسلام بهذه الآية على أنه لا سبيل إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله ـ تعالى ـ وأنه لا يمكن التوصّل إليها بعلم النجوم والكهانة ، ونظيره قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩] وقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) [الجن : ٢٦].
قوله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ).
آدم : مبني على الضم ؛ لأنه مفرد معرفة ، وكل ما كان كذلك بني على ما كان يرفع به ، وهو في محلّ نصب لوقوعه موقع المفعول به ، فإن تقديره : ادعوا آدم ، وبني لوقوعه موقع المضمر ، والأصل : يا إياك كقولهم : «يا إيّاك قد كفيتك» ، و «يا أنت» ؛ كقوله [الرجز]
٣٧٤ ـ يا أبجر بن أبجر يا أنتا |
|
أنت الّذي طلّقت عام جعتا |
قد أحسن الله وقد أسأتا (٣) |
و «يا إيّاك» أقيس من «يا أنت» ؛ لأن الموضع موضع نصب ، ف «إياك» أليق به،
__________________
(١) ينظر ديوانه : (٥٠) ، الكشاف : (٤ / ٣٣٦) ، اللسان : حكم ، الدر المصون : (١ / ١٨٤).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٦٧٥) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص ٧٨.
وأورده الشوكاني في «فتح القدير» (١ / ٦٥) وعزاه لابن جرير.
(٣) ينظر الأبيات في التصريح : (٢ / ١٦٤) ، الهمع : (١ / ١٧٤) ، الدرر : (١ / ١٥١) ، شرح الأشموني : (٣ / ١٣٥) ، أوضح المسالك : (٣ / ٧٢) ، الدر المصون : (١ / ١٨٤).