ولو صحت النسبة كان الفرق بين القولين حينئذ انحصار الدعوى في مخالف الظاهر على الثاني ، وثبوتها بمخالفة الأصل أيضاً على الأوّل.
فظهر فساد توهم اتحادهما ؛ لتواردهما على ثبوت الدعوى بمخالفة الظاهر ، فلا شهادة في كلام الفخر من هذه الجهة على انحصار الخلاف في القولين ، مع أنّه صرح سابقاً بما قدّمنا إليه الإشارة.
وكيف كان ، القائل بالأوّل معروف ، وهو الماتن هنا وفي الشرائع والشهيدان في اللمعتين وغيرهم (١) ، ولعله المشهور. والقائل بغيره مطلقا غير معروف ، وإنّما ذكره الأصحاب قولاً ، ولم يسمّوا له قائلاً ، ومع ذلك لم يختاروا عدا ما ذكرنا من الأقوال شيئاً ، ولم يذكروا لشيءٍ منها دليلاً. والتحقيق في مثله يقتضي الرجوع إلى العرف واللغة ؛ لأنّهما المحكّمان فيما لم يرد به نص في الشريعة.
فنقول : الدعوى لغة الطلب ، كما صرح به جماعة ، كفخر الدين في الإيضاح وشارحي الكتاب في المهذب والتنقيح (٢) ، ولعل القول الأوّل أنسب به ، وإن كان أعم منه ، ولعل العرف يساعده أيضاً ، بل ربما يساعد الثاني ، كما أشار إليه المقدس الأردبيلي رحمهالله فقال : الحق في معناه الأوّل ، وقريب منه الثاني ؛ لأنّه المتبادر عرفاً من المدّعى فيحمل عليه ؛ لما تقرّر من أنّه إذا لم يكن للّفظ حقيقة شرعية يحمل على العرفي (٣). هذا.
وأثر الاختلاف هيّن ، إذ لا يختلف موجبه غالباً ، كما إذا طالب زيد عمرواً بدين في ذمّته ، أو عين في يده فأنكر ، فزيد لو سكت ترك ،
__________________
(١) الشرائع ٤ : ١٠٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٧٦ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٢٠٨.
(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ٣٢٣ ، المهذّب البارع ٤ : ٤٨٢ ، التنقيح الرائع ٤ : ٢٦٦.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ١١٥.