وأمّا عدم الاستقلال في الأخير فمختار الماتن هنا خاصّة ؛ للاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الضرورة ، وهي هنا منتفية ؛ لإمكان التوصل إلى الحق بالحكم بمعونة البيّنة ؛ ولأنّ الممتنع عن وفاء الدين يتولّى القضاء عنه الحاكم ويعيّن من أمواله ما يشاء ، ولا ولاية لغيره عليه.
خلافاً للأكثر ، على الظاهر المصرح به في المسالك (١) ، بل المشهور كما في كلام الصيمري والكفاية (٢) ، وعليه عامّة المتأخّرين حتى الماتن في الشرائع (٣) ، وهو الأظهر ؛ عملاً بعموم الأدلة التي ستذكر ، بل صريح بعضها كما سيظهر ، وبها يخصّ الأصل الذي مرّ ، سيّما بعد التأيّد بأصالة عدم إلزام المدّعى بكلفة الترافع إلى الحاكم ، وإقامة البيّنة وإحضارها مع تشتّتها ، واحتمال ردّ الحاكم لها أو غيره ممّا يوجب سقوط الحكم كما قيل (٤) ، فتأمّل.
والعجب من بعض الأصحاب (٥) حيث استدل للمختار بما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه لما قالت له هند : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل شحيح وأنّه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلاّ ما أخذت منه سرّاً وهو لا يعلم ، فهل عليَّ في ذلك شيء؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » (٦).
فإنّ فيه : أنّ أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم لها بذلك لعله إذن منه لها من قِبَل ولايته على زوجها الممتنع ، إلاّ أن يمنع بتوقفه على استئذان هند إيّاه في ذلك ، والحال أنّها قد سألته ، والسؤال يقتضي كون الأمر جواباً عن مسألة لا إذناً عن
__________________
(١) المسالك ٢ : ٣٨٨.
(٢) غاية المرام ٤ : ٢٥٤ ، الكفاية : ٢٧٥.
(٣) الشرائع ٤ : ١٠٩.
(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٤٣.
(٥) المسالك ٢ : ٣٨٨.
(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٣٣٨ / ٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ / ٢٢٩٣.