من حيث إنّه فرض كفاية يجوز له تركه إذا قام غيره مقامه ، ولهذا إذا لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق ضرر بإبطال الحق وجب عليه إقامة الشهادة ، فإن قصد ابن إدريس الوجوب هنا عيناً فهو ممنوع ، نعم في الحقيقة لا يبقى فرق بين أن يشهد من غير استدعاء وبين أن يشهد معه (١). انتهى.
ومن قوله : نعم ، إلى آخره ، يظهر تفطنه لكون النزاع معنوياً ، ولا وجه له بعد اعترافه بكون مذهب الشيخ الوجوب كفايةً مع عدم الاستدعاء إلاّ ما قدّمنا من الوجوب عيناً مطلقاً مع الاستدعاء ، كما هو ظاهر مفهوم كلام الشيخ والأخبار التي قدّمناها بعد ضمّ بعضها إلى بعض كما مضى.
وحيث ظهر لك اعترافه أخيراً بكون النزاع بينهم معنوياً اتضح لك ما في كلام شيخنا في المسالك وصاحب الكفاية (٢) عليه حيث قالا بعد أن نقلا عنه جعله النزاع لفظياً ؛ لما ذكره ـ : وفيه نظر ؛ لأنّ الأخبار المذكورة مفصّلة مصرّحة بالفرق بين من يستدعي وبين من لا يستدعي ، وأنّه يتعين على المستدعي الشهادة مع أنّ الوجوب حينئذ كفائي اتفاقاً وإن عرض له التعيين ، وعلى ما ذكره في المختلف من المعنى لا فرق بين الحالتين ، ولا يبقى للتفصيل في الأخبار فائدة أصلاً ، ولا وجه لهذا التكلّف الذي لا يساعد عليه الكلام ، والحق أنّ النزاع معنوي صرف. انتهى.
وكأنّهما لم يلاحظا قوله الأخير المعترف فيه بمعنوية النزاع كما ذكراه ، ويتوجه عليهما زيادةً على ذلك أنّ الفاضل جعل النزاع بين الشيخ والحلّي لفظياً ، لا بين الأخبار ، بل ما ذكر منها شيئاً ، فتأمّل جدّاً.
__________________
(١) المختلف : ٧٢٥.
(٢) المسالك ٢ : ٤١٥ ، الكفاية : ٢٨٦.