وأما الواجبات التعبّديّة ، فيمكن (١) أن يقال : بجواز أخذ الأجرة على إتيانها بداعي امتثالها ، لا على نفس الإتيان كي ينافي عباديّتها ، فيكون (٢) من قبيل
______________________________________________________
الّتي يكون الواجب فيها المعنى المصدري الّذي لا ينافي بقاء العمل ـ كالصناعات من الخياطة والنجارة وغيرهما ـ أو بقاء المال على المملوكيّة ، كوجوب بيع الطعام في المخمصة ، وبيع العبد المسلم تحت يد المولى الكافر ، إلى غير ذلك من الأمثلة.
وأما الواجبات التعبديّة ، وهي التي يشترط في صحّتها قصد القربة في مقابل الواجبات التوصّليّة الّتي لا يشترط في صحّتها ذلك ، فيشكل جواز أخذ الأجرة عليها بوجهين :
أحدهما : منافاة الأجرة لقصد القربة ، لأنّ الداعي إلى فعلها هو الأجرة ، لا القربة ، فعدم جواز الأخذ مستند إلى فوات شرط صحّة العبادة ، وما به قوام عباديّتها.
ثانيهما : أنّ أخذ الأجرة بإزاء الواجبات العباديّة يكون أكلا للمال بالباطل ، ضرورة أنّه يشترط في صحّة الإجارة ـ كغيرها من العقود المعاوضيّة ـ وجود نفع يعود إلى المستأجر عوضا عن الأجرة ، إذ لولاه لزم خلاف مقتضى المعاوضة ، كما لا يخفى. ولا يوجد في العبادات الواجبة نفع حتى يعود إلى المستأجر ، فيكون أخذ المال بإزائها أكلا له بالباطل.
(١) هذا ناظر إلى : دفع الإشكال الأوّل ، ومحصل ما أفاده في دفعه تبعا لغيره هو : أنّ الأجرة لا تبذل بإزاء نفس الواجب العبادي لتنافي القربة المقوّمة لعباديّته ، بل تبذل لإحداث الداعي إلى إيجاد العمل بداعي أمره ، فتقع العبادة عن دعوة أمرها ، فيكون الداعي إلى إتيانها بدعوة أمرها هو أخذ الأجرة. نظير الإتيان بطواف النساء على وجه العبادة بداعي جواز الاستمتاع بهن ، والإتيان ببعض الصلوات المندوبة على وجه قربي لقضاء الحوائج المشروعة من سعة الرزق ، والشفاء من المرض ، وطلب الولد ونحو ذلك.
(٢) يعني : أنّ أخذ الأجرة يكون داعيا إلى الإتيان بالعبادة بداعي أمرها ، وهذا هو المراد بقوله : ـ من قبيل الداعي إلى الداعي ـ.