التكليف لا يكاد يتعلّق إلّا بالمقدور ، والمقدور لا يكون إلّا هو السبب ، وإنّما المسبّب من آثاره المترتّبة عليه قهرا ، ولا يكون (١) من أفعال المكلّف وحركاته أو سكناته ، فلا بد (٢) من صرف الأمر المتوجّه إليه عنه إلى سببه (٣).
ولا يخفى ما فيه (*) من أنّه (٤) ليس بدليل على التفصيل ، بل على
______________________________________________________
والمسبّبات تعدّ من آثارها المترتّبة عليها قهرا.
ونتيجة هذين الأمرين : لزوم صرف الأمر المتعلّق بالمسبّب في ظاهر الخطاب إلى السبب ، لامتناع الأخذ بظاهره ، وهو تعلّق التكليف بغير المقدور ، فإنّ هذا قرينة عقليّة على صرف هذا الظاهر ، كالقرينة اللفظيّة الحافّة بالكلام الصارفة للظهور.
وعليه : فإذا أمر الشارع بالتزويج ، أو بتحصيل الطهارة الحدثيّة ، ونحو ذلك ، فلا محيص عن صرفه إلى الأسباب المحصّلة للزواج كالعقد ، وللطهارة كغسل البدن ، أو غسل الوجه واليدين ، ومسح مقدّم الرّأس والرّجلين ، لعدم القدرة على الزواج ، والطهارة ، بل المقدور أسبابهما.
(١) أي : المسبب ، وضميرا ـ آثاره ـ و ـ عليه ـ راجعان إلى السبب.
(٢) هذه نتيجة الأمرين اللذين أشار المصنّف إلى أوّلهما بقوله : «بأنّ التكليف ... إلخ» ، وإلى ثانيهما بقوله : «والمقدور لا يكون إلّا هو السبب».
(٣) هذه الضمائر الثلاثة راجعة إلى المسبّب ، كما هو واضح.
(٤) محصله : أنّ هذا الوجه ليس دليلا على التفصيل في مورد البحث ـ وهو الوجوب الترشّحي الثابت للمقدّمة الّتي هي سبب وجوب ذيها ، دون المقدّمة الّتي هي شرط ـ حتى يفصّل بين السبب والشرط : بوجوب الأوّل ، دون الثاني.
توضيحه : أنّ مقتضى البرهان المزبور : انحصار التكليف في واحد متعلّق بالسبب ، ومن المعلوم : أنّ هذا التكليف نفسيّ ، فيكون السبب واجبا نفسيّا ، وليس هذا الوجوب محلّ البحث عند من فصّل بين المقدّمة الّتي هي سبب ، والّتي
__________________
(*) هذا ثالث الأجوبة الّتي ذكرها في البدائع.