وبالجملة فالرواية قويّة غاية القوة كالصحيحة حجة في نفسها ، مع قطع النظر عن الشهرة الجابرة.
وبها يُعارض جماعة في استدلالهم بالرواية الأُولى على جواز التجزّي في الاجتهاد (١) ؛ لمكان قوله فيها : « يعلم شيئاً من قضايانا ».
وذلك لدلالة الرواية الثانية على اعتبار المعرفة بالأحكام جملة ؛ لمكان الجمع المضاف ، وهو حيث لا عهد يفيد العموم لغة ، وهي كما عرفت بحسب السند معتبرة ، ولا كذلك الرواية الأُولى ؛ لأنّها بالاتفاق ضعيفة ، لأنّ في سندها معلّى بن محمّد وأبا خديجة وحالهما في الضعف مشهورة ، والشهرة الجابرة مشتركة فقوّة السند في الأخيرة مرجّحة.
هذا بعد تسليم دلالتها ، وإلاّ فهي ممنوعة يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الخال العلاّمة أدام الله تعالى ظلّه في بعض حواشيه ردّاً على بعض هؤلاء الجماعة ، فقال : لا نزاع في أنّ العلم بجميع الأحكام ليس شرطاً في الفتوى والاجتهاد ، كيف؟ وهو من خواص الشارع ، بل النزاع إنّما هو في اشتراط الاطلاع بجميع مدارك الأحكام والقدرة على استنباطها ، ومنها التوقف ، كما لا يخفى على المطلع بأحوال المجتهدين الذين لا تأمّل في اجتهادهم ، بل لا يوجد مجتهد إلاّ ويتوقف في بعض المسائل ، بل وغير واحد منها.
فعلى هذا لا دلالة للرواية على التجزّي ، بل على أنّ العالم ببعض الأحكام مجتهد وقوله فيه حجة ، والمانع للتجزّي يمنع حصول العلم ببعض الأحكام للمتجزّي إلاّ أن يدعي ظهور العلم ببعضها من دون الإحاطة
__________________
(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٨٠ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦١.