وتنبّه لهذا الفاضل في التحرير ، فقال بعد ذكر مختاره : وقيل : يكذب نفسه مطلقاً ، ثم إن كان صادقاً ورّى باطناً. والأوّل أقرب ، والثاني مروي وإن كان ليس بعيداً من الصواب ؛ لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذباً إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق ، لأنّه كاذب في حكم الله تعالى وإن كان صادقاً (١). انتهى.
ومنه يظهر صحة القول المحكي في كلامه وميله إليه ؛ وهو مختار الصدوقين والعماني ، والشيخ في النهاية والماتن هنا وفي الشرائع ، والشهيدين في الدروس والمسالك ، والفاضل المقداد في التنقيح وغيره (٢).
والظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين ، بل المتقدّمين أيضاً ؛ وقد عرفت دعوى ابن زهرة عليه الإجماع ، ونفي الشيخ الخلاف عنه في الخلاف ناسباً له إلى مقتضى المذهب ، ولكنه صار فيه أيضاً إلى مختاره في المبسوط معلّلاً بما مرّ فيه ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة : عبارته ظاهرة في نفي الخلاف الذي هو كإجماع ابن زهرة حجة على اعتبار إكذاب نفسه. وظاهره وحقيقته كما اعترف به يقتضي المصير إلى ما عليه الماتن وغيره. ونحوهما إطلاق المعتبرة المستفيضة ، ففي النبوي : « توبة القاذف إكذاب نفسه » (٣).
وفي الصحيح : عن المحدود إن تاب تقبل شهادته؟ فقال : « إذا تاب ، وتوبته أن يرجع مما قال ويكذب نفسه عند الإمام عليهالسلام وعند المسلمين ،
__________________
(١) التحرير ٢ : ٢٠٨.
(٢) الصدوق في المقنع : ١٣٣ ، وحكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف : ٧١٧ ، النهاية : ٣٢٦ ، الشرائع ٤ : ١٢٧ ، الدروس ٢ : ١٢٦ ، المسالك ٢ : ٤٠٣ ، التنقيح ٤ : ٢٩٣ ، كنز العرفان ٢ : ٣٤٧.
(٣) انظر الدر المنثور ٥ : ٢٠ ٢١.