والقاضي (١) في قوله الثاني ، وعليه أكثر المتأخّرين (٢) ، بل عامتهم كما في ظاهر المسالك (٣) ؛ للأصل ؛ وكون مثل ذلك عقوبة قبل ثبوت الاستحقاق ، مع أنّ الكفيل يلزمه الحق إن لم يحضر المكفول ، وهنا لا معنى له قبل إثباته ، ولا معنى أيضاً لكون ذلك الحق هنا هو حضور الدعوى وسماع البيّنة ، مع أنّه بعد إحضارها إن كان حاضراً ، وإلاّ يحكم عليه وهو غائب ، ويطلب بالحق كسائر الغيّاب.
ولا ريب أنّ الأوّل مع رضا المدّعى عليه أحوط ، سيّما مع ما يظهر من الغنية (٤) من عدم الخلاف فيه.
مع إمكان المناقشة في أدلّة المنع بمعارضة الأصل بما دلّ على لزوم مراعاة حق المسلم عن الذهاب في نفس الأمر ، فيجب التكفيل ولو من باب المقدّمة.
وبه يظهر الجواب عن الثاني ، فإنّ التكفيل وإن كان ضرراً إلاّ أنّ ذهاب الحق أيضاً ضرر آخر ، وعلى الحاكم مراعاة الأقلّ منهما ضرراً ، وقد يكون التكفيل أقلّ ضرراً.
وأمّا أنّه لا فائدة في التكفيل قبل إثبات الحق ، فمسلّم إن تحقق عدم إمكان إثبات الحق أصلاً في نفس الأمر ، ولكنّه غير متحقق بعد احتمال حضور البيّنة وثبوت الحق بها ، فيلزم الكفيل إحضاره أو الالتزام بالحق إن
__________________
(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٩٠ ، المبسوط ٨ : ١٦٠ ، الخلاف ٦ : ٢٣٧ ، السرائر ٢ : ١٥٩ ، المهذّب ٢ : ٥٨٦.
(٢) كالمحقق في الشرائع ٤ : ٨٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦٩.
(٣) المسالك ٢ : ٣٧٠.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٦.