يرجعان إلى الجملة السابقة ، أي ترى الفئة الكافرة المسلمين ستمائة وستة وعشرين ، مثلي عددهم ، وهو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، كما مرّ.
وفي مضاعفة العدد في رأي العين زيادة في الرعب والهيبة في قلوب الكافرين ، ليجنبوا عن قتال المسلمين ـ كما تقدّم ـ لاختلاف الموردين ، وهذا الوجه أقرب بلحاظ الآيتين الشريفتين وأظهر.
وقد قيل في شأن الضميرين وجوه كثيرة اخرى ، أهمّها :
اختلاف المرجع في الضميرين ، فيرجع أحدهما إلى المؤمنين والآخر إلى الفئة الكافرة ، أي يرى المؤمنين مثلي عدد الكافرين. ولكنه بعيد عن ظاهر اللفظ.
وقيل : إن الضميرين يرجعان إلى الفئة الكافرة ، أي يرى الكافرون أنفسهم مثلي عددهم ، وهو تسعمائة وخمسون ، فكان عددهم في رأي العين ألفين وذلك ليوافق تقليل عدد المسلمين الوارد في الآية الاخرى ، فيكون عددهم السدس في النسبة.
ويردّ عليه : أنه مخالف لظاهر الآية الشريفة ويوجب اللبس ، وأن حقّ الكلام حينئذ أن يكون يرون أنفسهم مثليهم ، والتطابق بين الآيتين الشريفتين حاصل ، ولو لم نقل بهذا الوجه كما عرفت.
وقيل : إن معنى الآية الشريفة أن المسلمين كانوا يرون الكافرين مثليهم في الجمع لا في العدد.
وقال شيخنا البلاغي : «كانوا يرون جمع قريش مثليهم بحسب رؤية العين للجمع وصورة التجنّد ، لا بحسب الإحراز للعدد ومعرفة الكمية ، والحكمة في ذلك هي أن الاستقلال في العدد يوجب الوهن والجبن ، فيتساهلون عن حرب الكافرين استضعافا لهم. ولكن لم يروهم في أعدادهم ومقدارهم لئلّا تهولهم كثرتهم فيحجموا عن مناجزتهم ويتخاذلوا عن حربهم ، كما قال تعالى في صورة الأنفال : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ).
وفيه : أنه بعيد عن سياق الآيتين الشريفتين بعد التأمّل فيهما.