كما أنها تشترك في بيان مكارم الأخلاق وما يرتفع به الإنسان إلى أعلى الجنان وما ينزله إلى حضيض الحيوان ، وتشترك في بيان المستقلّات العقلية ، كجنس الإحسان وقبح الظلم ، وبيان جملة من التكوينيّات والطبيعيات.
إلا انها تختلف في بعض الفروع العملية الذي يقتضيه السير التكاملي الإنساني الذي تنوط به المصالح التشريعية ، وهذه كلّها اصول نظام التشريع التي لا بد وأن تجمعها جميع كتب السماء.
وبعبارة اخرى : أن الوحي السماوي بالنسبة إلى أنبياء الله تعالى واحد بوجود نوعي ، والتوراة والإنجيل والقرآن من أفراد ذلك النوع ، كما أن الإنسان واحد نوعي له أفراد كثيرون ، فيصحّ لنا تأسيس قاعدة كلّية وهي الاتحاد في الكتب السماويّة ، ولكن القرآن مظهر لجميعها ، فما كان منها موافقا للقرآن يكون صحيحا ومعتبرا ، وما كان مخالفا له يردّ علمه إلى أهله ، إلا إذا ثبت بدليل معتبر جهة المخالفة ، والأدلة القطعية التي أقاموها على نسخ القرآن هو إنما يكون بالنسبة إلى الجهات المخالفة ، لا المساواة والموافقة التي هي مقتضى الأصل والقاعدة فيها.
والآية الشريفة وان دلّت على صحّة نسبة التوراة والإنجيل إلى الله تعالى ، ولكن لا بد أن تكون في الجملة ، لا على نحو الكلّية والمجموع ، لدلالة آيات اخرى على وقوع التحريف فيهما ، قال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١٣] ، وقال تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) [سورة المائدة ، الآية : ١٥].
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ).
التوراة لفظ عبراني ومعناها الشريعة ، وتطلق على العهد القديم المتكوّن من أسفار موسى الخمسة ، التي يسمّيها اليهود بالناموس ، وهي : سفر التكوين ، وسفر التثنية ، وسفر الخروج ، وسفر اللاويين أو الأحبار ، وسفر العدد. وقد وقع الخلاف بين المؤرّخين في صحة نسبة التوراة الموجودة بين أيدينا إلى موسى عليهالسلام ، ولا يزال