ما يقوم بها البدن ولا تتم الحياة البشرية إلا بها ، وتكون من أتمّ ما بني عليه النظام الأحسن ، بحيث لو اختلّت لبطل النظام وتعطلت امور الأنام ، فإنها من سنن الحياة المستلذة بها. وإما كاذبة ، وهي الشهوة المذمومة ، أي الإغواء أو الدافع الشيطاني ، وإنها مستقذرة حذّرت الأديان الإلهيّة منها ، وجعلتها محور الانحرافات والأخلاق الذميمة ، سواء كانت خفيّة ، أي الصفات الذميمة والأخلاق السيئة التي يضمرها صاحبها ويصرّ عليها ، كما في الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «ان أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفيّة» ، أم كانت ظاهريّة ، وهي ما كانت ظاهرة من العمل.
والشهوات : جمع شهوة ، وهي توقان النفس للملائم أو الملذ لها ، وهي من أهمّ القوى التي خلقها الله تعالى في الحيوان ، ولو لولاها لما قام له أصل ولا بنيان.
وسياق الآية المباركة يدلّ على أن فاعل التزيين هو الشيطان أو النفس ، لأنّ حبّ الشهوات مذموم ، ويشتدّ الذم كلّما اشتدّ الحبّ ، ويخف كلّما خف حتّى يصل إلى مرتبة الحبّ النظامي الذي هو من لوازم الطبيعة في الإنسان والحيوان ، فتزول المذمّة رأسا ، بل يكون ممدوحا ويكون خلافه نقصا ومذموما ، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن سيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله : «أحببت من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء ، وقرّة عيني الصلاة» ، وسيأتي وجه آخر لحمل كلامه.
ويمكن أن تكون الآية الشريفة في مقام بيان طبيعة الإنسان وما يتدخّل في سلوكه ، فإذا وفّق بين الحبّ والطبيعة ، بحيث يتحكّم العقل بالتوفيق بينهما ، كانت النتيجة فاضلة والأثر عظيما ، ويكون حبّا ممدوحا ، وهو الذي يشاؤه الله ويريده ويرتضيه ، ولا ريب في أنه ممدوح عقلا أيضا ، فيكون تزيين الله تعالى هو إذنه وبيان حدوده ، فقد زين حبّ المذكورات في الآية الشريفة المتقدّمة وفق الحكمة المتعالية ليكون وسيلة لتنظيم النظام وبقاء النوع وحسن الاجتماع ، وأما إذا ألهى القلب عن التوجّه إلى الله تعالى وأوجب الغفلة عنه عزوجل ، فهو من تزيين الشيطان ووساوسه ، وهو مذموم عقلا أيضا.