وفي الآية المباركة كمال الترغيب إلى الاخرة ، وتحقير الدنيا والتقليل من شأنها.
قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ).
تفصيل لما أجمل سابقا ، وبيان لقوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ، فقد أمر سبحانه وتعالى نبيّه ببشارة المتّقين ، بأن لهم عند الله تعالى ما هو أعظم من هذه المشتهيات الزائلة المحدودة ، التي لا تبقى ولا تدوم ، وهو الخير للإنسان ، فلا خير في ما سواه ، وهو وإن كان مشابها لما في هذه الدنيا ومجانسا للشهوات الإنسانية ، ولكنها أجل النعم وأعظمها ، وهو خال عن النقص وبريء عن القبح والشرور ، وقد ذكر سبحانه ذلك في كلام بليغ تتوجّه إليه النفوس وتهتزّ من فرح اللقاء الأرواح والقلوب. وفيه جذبة ربوبيّة من الملكوت الأعلى للمتّقين المسجونين في سجن الدنيا ، وقد وعدهم الجنّة ومطهرات الأزواج والرضوان.
ومن إطلاق الخير يستفاد أنه خير في ذاته ومن جميع شؤونه وجهاته.
وإنما أتى سبحانه بالكلام على صورة الاستفهام ، لتوجيه النفوس إلى الجواب وتشويقهم إلى العمل ، وهو أسلوب فصيح يؤثّر في النفس ويستفزّها على إصغاء الجواب.
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ).
جملة (للذين اتقوا) خبر مقدّم ، وجملة : (جنات تجري) مبتدأ مؤخّر. والتقوى هي إتيان الواجبات الشرعية واجتناب المحرمات الإلهيّة ، وهي المراد بالعمل الصالح الذي كثر الاهتمام به في القرآن الكريم ، كما أنها الورع الذي حثّت عليه السنّة المقدّسة بألسنة شتّى ، فقد ورد : «أن من اجتنب محارم الله فهو من أورع الناس» ، وهي أساس الكمالات وقرّة عين الأنبياء والمرسلين ، وهي السبب المتّصل بين أهل الأرض والسماء ، وبها ينتظم نظام الدنيا والعقبى.
ولفظ الجنّات يدلّ على كثرة الأشجار واستتار الأرض بها وتعدّدها