بأخلاق الله تعالى ، والتفاني في حبّه ، ولذلك درجات كثيرة ، منها رضاء العبد عن الله تعالى لجزائه الحسنى وحكمه ، قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٠].
ورضوان الله تعالى هي الغاية القصوى لكلّ ذي لب ، وهي أعلى مراتب اللذائذ الروحانيّة ، وذكره بالخصوص إنما هو لأجل بيان أن الرضا هو أقصى ما يشتهيه الإنسان من مشتهيات الدنيا ، بل هو الغاية منها ، فلا بد من السعي إلى رضوان الله تعالى الذي هو من أعظم اللذائذ عند المتّقين وذوي الألباب ، فهو الخير الذي لا يتصوّر أعظم منه ، لا ما يتصوّره الإنسان من الخير في المال والقناطير ، فإن ذلك إنما يكون برضائه تعالى ، ولذلك اعتنى عزوجل به وأفرده بالذكر في مقابل الجنّات والأزواج المطهّرة في هذه الآية وفي سائر الآيات التي اقترن بغيره من اللذائذ ، قال تعالى : (فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) [سورة المائدة ، الآية : ٢] ، وقال تعالى : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) [سورة التوبة ، الآية : ٢١] ، وقال تعالى : (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٠].
وقد جمع سبحانه وتعالى في هذه الآية الشريفة اللذائذ الجسمانية في الآخرة ، وهي الجنّات والأزواج المطهّرة ، واللذّة المعنويّة الروحانيّة ، وهي : الرضوان الذي لا يحدّه حدّ ولا يشوبه نقص.
ويستفاد من الآية الشريفة اختلاف درجات المتّقين في الآخرة ، وأن لأهلها مراتب وطبقات ، فمنهم من لا يليق به إلا اللذائذ الجسمانيّة ، كالجنّات والأزواج المطهّرة ، ومنهم من عظمت منزلته وارتقى إدراكه وعلا قربه ، فلا يليق به إلا رضوان الله تعالى.